رأي – أيهم أسد
تعد الموارد البشرية في القطاع الحكومي بمنزلة الدماء التي تسير في جسم جهاز الخدمة العامة، كما تعد ركيزة أي عملية إصلاحية إدارية أو اقتصادية سوف تطبق على ذلك القطاع، وبالتالي فإن وجود سياسات حكومية للحفاظ على الموارد البشرية في الإدارة العامة هو أمر غاية في الأهمية وأمر جوهري وحاسم لاستمرار عمله.
وتعد ظاهرة التسرب الوظيفي للموارد البشرية في القطاع الحكومي من الظواهر الطبيعية إن بقيت ضمن حدود معقولة وغير مؤثرة في عمل القطاع، ولكنها تعد من الظواهر السلبية جداً في حال تطورت وخاصة في حالات التسرب النوعي للموارد البشرية من أصحاب الكفاءات العالية أو التخصصات القليلة.
وغالباً ما ترتبط ظاهرة التسرب الوظيفي بأسباب مادية مباشرة كضعف أنظمة الأجور وأنظمة الحوافز والمكافآت وبأسباب غير مادية تتعلق ببيئة العمل كالتحفيز المعنوي والتقدير ونمط الإدارة.
فماذا عن تلك الظاهرة في القطاع الحكومي في سوريا؟ وأين تركز تسرب الموارد البشرية فيه؟
تشير البيانات الإحصائية الرسمية المتعلقة بعدد ونوع العاملين في القطاع الحكومي إلى وجود تسرب كبير جداً في الموارد البشرية في سنوات (2010 – 2022)، ويشمل ذلك التسرب مجموع حالات كل من الوفيات والمتقاعدين والمستقيلين وبحكم المستقيلين، وعلى الرغم من استقطاب القطاع الحكومي خلال السنوات السابقة للكثير من الموارد البشرية فإن صافي العملية بين الاستقطاب والتسرب كان يميل دوماً لصالح التسرب.
تركز تسرب الموارد البشرية في القطاع الحكومي السوري عند الذكور أكثر من الإناث، حيث خسر القطاع نحو 230 ألفاً من موظفيه الذكور وذلك نهاية عام 2022 مقارنة مع عددهم نهاية عام 2010، ويكون القطاع الحكومي قد خسر نحو 33 في المئة من موظفيه الذكور.
أما من حيث المستوى التعليمي للمتسربين فقد كانت نسبة تسرب حملة الشهادة الابتدائية وما دون تشكل نحو 54.5 في المائة من إجمالي المتسربين، في حين شكلت نسبة حملة شهادة المعاهد نحو 40.5 في المائة من إجمالي المتسربين وشكلت نسبة حملة الشهادة الثانوية نحو 5 في المائة من إجمالي المتسربين في حين شهد توظيف حملة الشهادة الجامعية زيادة واضحة خلال تلك الفترة.
وعلى مستوى الوزارات فقد تسرب نحو 51 في المئة من إجمالي الموارد البشرية المتسربة خلال سنوات (2010 – 2022) من ثلاث وزارات هي الإدارة المحلية والبيئة والأشغال العامة والإسكان والصناعة، وإذا أضفنا إلى تلك الوزارات وزراتي النقل والتربية وصلت النسبة إلى نحو 70 في المئة.
ومن المؤكد أن العامل الحاسم في تسرب الموارد البشرية في القطاع الحكومي هو التدهور الحاد في الرواتب والأجور والتي كما قلنا سابقاً إن حدها الأدنى يقل عن الحد الأدنى لخط الفقر العالمي بنحو 70 في المائة، وبالنتيجة فإن سياسة إصلاح للقطاع العام لن تكون مجدية أبداً من دون إصلاح جذري لرواتب وأجور موظفي الإدارة العامة وأن استمرار تدني الأجور يعني بالضرورة استمرار تسرب الموارد البشرية كمياً ونوعياً.