نضال الخضري
علينا الاستيقاظ على أصوات متناقضة، ومضطرون أيضا للمراقبة لأننا لا نملك الكثير كي نشارك في خلق مشهد بدأ في غزة، ورسم ألوانا متنوعة من احتمالات يصعب تصديقها، فعلى “المعبر الصغير” ما بين رفح وقطاع غزة يتشكل “الشرق الأوسط،” وعلى تسارع الحدث في المواقع السورية التي تعتدي عليها إسرائيل؛ تتشكل معادلات القوة والتوازنات التي تتجاوز الشكل العسكري، ففي سوريا كل شيء ممكن، والرد “الإسرائيلي” على إيران يمكن سماع صداه في كل المحافظات السورية.
الحرب مهما كانت محسوبة هي “صراع احتمالات”، وهي أيضا أصوات يمكن أن تبدل المساحات الاجتماعية، وتكتب ثقافة تتراوح ما بين العنف والتسامح، وتعيد صياغة علاقات كثيرة ضمن مساحات تتعرض للانتهاكات اليومية، فهل اعتدت “إسرائيل” على الجنوب أم أنها ضربت العمق الإيراني؟
هذا السؤال الذي لا يشكل منطقية واضحة يربط كل المساحات ما بين الخليج العربي وشواطئ المتوسط، ويجعل الصورة الأكثر قتامة في أشكال التوتر المنتقلة جوا إلى كل مساحتنا.
نحن نستقبل كل صباح بكافة الاحتمالات الممكنة في الحياة، وعلى الضجيج الذي يرافق الجميع في سعيهم لإضفاء طابع من الروتين على تفاصيل يومهم، فلا الحروب ولا شظف المعيشة قادر على قهر محاولات الموطنين في جعل “المخاطر” حالة اعتيادية، فبعد عقد ونصف من الحرب أصبحت أخبار المعارك مألوفة، وباتت قنوات الأخبار بعيدة عن التأثير القوي على التصورات التي يحملها السوريون.
بالتأكيد فإن الذعر يظهر فجأة مع كل معركة، لكنه يرحل سريعا وكأنه تقلب في المزاج العام، أو في مناخ بات مألوفا بتغيراته الصارخة ما بين الحرب والخوف، ونسيان أن الخطر يحلق في الأجواء وربما يسقط بشكل مفاجئ على الأرض، فهناك نوع من التعايش مع حالة القلق المستمرة، ومع الصباحات التي تفيض بأخبار وتوترات عنيفة، وحتى مع الشريط الأحمر على شاشات التلفزة، وهو شريط مستمر دون توقف منذ ستة أشهر، فاللون الأحمر فقد المعنى الرمزي الذي يستخدمه الإعلام عادة، وسقطت معه الصور المرافقة سواء كانت حروبا أو كوارث أو حتى أخبارا عاجلة لوفاة أحد مشاهير الفن أو السياسة.
نحن في خطر لا يرتبط بالحروب التي تحاصرنا، إنما باعتياد هذا “الخطر” الذي يبدو أنه يشكلنا أو يجعلنا جزءا من حدث يسير دون وعيٍ منا، فضجيج المعارك لا يدفعنا سوى لتكريس القناعة بأن ما يجري هو مساحة علينا التعايش معها، وعلينا أيضا إنتاج دراما “تفيض” بالعنف والتهديد والدمار كتعويض عن حالة اللامبالاة الثقافية بما يجري حولنا، فأبطال الواقع يخوضون الحروب وشخصيات الدراما ليست سوى تعويض ثقافي يجعل التعايش ممكن وسط المخاطر التي تحاصرنا.
ربما لا نمل من تكرار المفاجآت ولا من الهدير الذي تحمله الحروب التي تحاصرنا، لكننا في النهاية نترك للأجيال القادمة صورة غامضة لثقافة عاجزة عن تحفيز مجتمعاتها.