تتحضر “إسرائيل” لاحتمال حقيقي بأن تصدر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس هيئة أركان الجيش هرتسي هاليفي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
وتأتي مذكرات الاعتقال في حال صدورها في سياق الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” بسبب حربها على غزة، وعليه تتحضر “تل أبيب” إلى جانب مساعيها الدبلوماسية والضغوطات على الإدارة الأميركية لاستخدام حق النقض “الفيتو” ضد هذه الخطوة، مستعينة بطواقم من المحاميين من أجل إلغاء أوامر الاعتقال قبالة المحكمة الجنائية الدولية.
ويترتب على قادة “إسرائيل” التعامل مع الإجراءات القانونية أثناء تقديم الدعاوى المضادة لإلغاء أوامر الاعتقال، والمثول أمام المحكمة في لاهاي، وسيكون عليهم تجنب السفر خارج البلاد خشية اعتقالهم وتسليمهم إلى المحكمة بموجب ميثاق روما، بالإضافة إلى التوقف عن زيارة الدول الأعضاء في المحكمة.
حدث غير مسبوق
وضّح مراسل الشؤون القضائية في القناة “12” الإسرائيلية، يوفال برومر سيناريوهات الإجراءات التي سيتعين على قادة “إسرائيل” القيام بها في حال صدور مذكرات اعتقال ضدهم، وتناول تداعيات ذلك على “إسرائيل” دبلوماسيا وعالميا وحتى على سير الحرب على غزة.
وأوضح الصحفي الإسرائيلي أن دخول مذكرات الاعتقال الدولية حيز التنفيذ ضد قادة إسرائيليين سيكون حدثا غير مسبوق، سيؤثر بشكل كبير على قدرة “إسرائيل” على مواصلة الحرب على غزة.
وعلاوة على ذلك، يقول برومر إن مثل هذه الخطوة يمكن أن تلحق أضرارا جسيمة بمكانة “إسرائيل” الدولية، ويؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، إلى درجة حدوث أزمة دبلوماسية غير عادية.
وأضاف أن فرضية ضلوع واشنطن، أو على الأقل عدم معارضتها للخطوة الدراماتيكية للمحكمة في لاهاي، تطرح أسئلة صعبة حول مستقبل تحالف “إسرائيل” الإستراتيجي والحيوي مع إدارة الرئيس جو بايدن.
ويعتبر برومر أنه وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية والقانونية المكثفة التي تبذلها “إسرائيل” حاليا، فإنه إذا تم تنفيذ مذكرات الاعتقال بالفعل، فسيضطر كبار المسؤولين إلى التفكير بشأن مغادرة الحدود، بسبب الخوف من الاعتقال والمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
من جهتها، محللة الشؤون القضائية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” طوفا تسيموكي، أوضحت أن الولايات المتحدة وروسيا والصين ليسوا أعضاء في المحكمة، لذلك يمكن للمشتبه بهم الذهاب إلى هناك دون خوف، على عكس معظم الدول الأوروبية حيث إنهم أعضاء في المحكمة.
وتقول تسيموكي “سيكون هناك صعوبة بالغة على القادة الإسرائيليين السفر والوصول إليها، حيث يمكن الافتراض أن دولا أوروبية قد تحاول اعتقالهم وتسليمهم للمحكمة الدولية”.
وقدّرت أنه في حال صدور مذكرات اعتقال دولية، فهذا سيكون بمثابة “تسونامي سيجرف كل شيء”، وسيضر بفرصة إعادة المختطفين، ويطوي ملف التطبيع مع السعودية، ويؤدي إلى الوقف الفوري للمدفوعات الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، موضحة أن الرئيس بايدن هو الوحيد الذي يستطيع إيقاف ذلك، لكنه في الوقت الحالي يمتنع عن التصرف.
ومن الناحية الإجرائية، تقول تسيموكي إن المدعي العام للمحكمة كريم خان يجري بالفعل تحقيقا في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتؤكد أنه زار “إسرائيل” ومعبر رفح، لكنه يتعرض لضغوط شديدة لإصدار مذكرات الاعتقال هذه، ربما لمنع التحرك العسكري الإسرائيلي في رفح، على حد وصفها.
ولن يكتفي خان بإصدار مذكرات اعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين فقط، بل سيتخذ في المقابل الخطوة نفسها ضد قيادات حركة “حماس”، وفق محللة الشؤون القضائية.
ميثاق روما
واستعرض المحامي ضرغام سيف، أستاذ القانون الدولي المحاضر في جامعة القدس أبو ديس، الإجراءات التي يترتب على “إسرائيل” اتخاذها في حال صدرت أوامر اعتقال دولية بحق قادتها من السياسيين والعسكريين، قائلا “ستكون تل أبيب ملزمة بتجهيز طواقم من المحاميين للرد على الأوامر الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية”.
وستكون كل دولة وقعّت على ميثاق روما ملزمة بتنفيذ مذكرات الاعتقال بحق القادة الإسرائيليين المعنيين، في حال وُجدوا على أرضها وتحت سيادتها، أو كانوا على متن طائرة تحلق في أجوائها، في هذه الحالة يتم إجبارها على الهبوط لاعتقالهم وتسليمهم إلى المحكمة في لاهاي، حسب سيف الذي توقع أن تتصرف تل أبيب بمنتهى الحيطة والحذر، وأن يمتنع قادتها عن السفر خارج البلاد.
وبين أستاذ القانون الدولي أن مذكرة الاعتقال ليست إدانة، بل هي بداية مهمة لإجراء قانوني ينص عليه ميثاق روما، ويتمحور بالأساس حول 4 جرائم دولية، وهي جرائم الحرب، وجرائم العدوان، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وهي التهم التي تبحثها المحكمة الجنائية الدولية بموجب الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” بسبب حربها على غزة.