الخميس, نوفمبر 7, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارما العلاقة بين فوز ترامب والتنبؤ بزوال الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية؟

ما العلاقة بين فوز ترامب والتنبؤ بزوال الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية؟

في مقال استشرافي، نشره ألفريد ماكوي في كانون الأول/ديسمبر 2010 بموقع “توم ديسباتش”، قال فيه إن “زوال الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية قد يأتي بسرعة أكبر كثيرا مما يتصوره أي شخص”، ثم أضاف بعد ذلك أن “التقييم الواقعي للاتجاهات المحلية والعالمية يشير إلى أنه بحلول عام 2025، أي بعد خمسة عشر عاما فقط من الآن، قد ينتهي كل شيء باستثناء الصراخ”.

وفي مقال لاحق كتبه في “The Nation” يوم 18 كانون الثاني/ يناير 2024، قرر ماكوي بشكل قاطع “أن أربع سنوات أخرى من دبلوماسية ترامب “أميركا أولا” سوف تدمر القوة العالمية المتدهورة بالفعل للبلاد”.

واستند في ذلك على دراسة وصفها بالكلاسيكية، كتبها مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي بعد تقاعده عام 1997.

واستنادا إلى وجهة نظره القائلة بأن أوراسيا تبقى الأساس المركزي للتفوق العالمي، زعم أن واشنطن كان عليها أن تفعل ثلاثة أشياء فقط للحفاظ على زعامة العالم: أولا، الحفاظ على موقعها في أوروبا الغربية من خلال حلف شمال الأطلسي، ثانيا، الحفاظ على قواعدها العسكرية على طول ساحل المحيط الهادئ لكبح جماح الصين، وأخيرا، منع أي “كيان منفرد حازم” مثل الصين أو روسيا من السيطرة على “الفضاء الأوسط” الحرج في آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

ونظرا لسجل ترامب في الماضي وتصريحاته الحالية، يبدو من المرجح للغاية أن يلحق ترامب أضرارا بالغة، إن لم يكن يدمر، تلك الركائز الأساسية للقوة العالمية الأميركية بحسب رأيه.

ولا شك أن انتخاب دونالد ترامب في عام 2016، بالنسبة للمراقبين، كان فألا آخر للانحدار الأميركي، ولم يرحب القطاع الأكبر من مؤسسة الأمن القومي الأميركية بصعوده، وبعد أربع سنوات رحبوا برحيله.

غير أنه عاد بانتصار مريح إلى البيت الأبيض. فهل بوسع أحد الاصطفاف خلف الآراء الأكثر تشاؤما ويستشرف مستقبلا “مأساويا” لأعظم إمبراطورية في العصر الحديث؟! وذلك بتوقيع “ترامب” الرئيس الأكثر صخبا و”فظاظة” في التاريخ الأميركي. وهل يعتبر بدعا أو نشازا أو منعطفا مفصليا عن كل من تعاقبوا على رئاسة أميركا؟!.

والحال أن الحكم على أدائه السياسي في تجربته الأولى والمحتملة في الثانية من جهة، وعلى مكانة الولايات المتحدة الأميركية ـ الانهيار المزعوم ـ والمتوقع استئنافه مع ترامب من جهة ثانية، يحتاج إلى مراجعة محايدة، واستحضار الأوزان النسبية للقوى الإقليمية التي تشاغب واشنطن، وترشحها المقاربات لتحل محل الأخيرة في زعامة العالم، وذلك لإدراج ترامب في سياقه الطبيعي، وحجم الضرر الذي سيلحق بمنزلة بلاده مع وجوده رئيسا للبلاد، وما إذا كانت مجرد “فزاعة” لا تؤيدها الحقائق الموضوعية على الأرض.

الحال أن السياسة الخارجية لإدارة ترامب، في سنواته الأربع السابقة، كانت أكثر تقليدية مما يعترف به عموما. ففي حين سخر منه البيروقراطيون الأميركيون باعتباره منعزلا، والذين يعتبرون هذا المصطلح إهانة تقليدية، كان ترامب ملتزما بالهيمنة العسكرية غير المتنازع عليها للولايات المتحدة.

كما كان ترامب يحتقر التعاون الدولي بشروط غير تلك التي تطبقها بلاده، لكن هذا لم يكن بالأمر الجديد، وكانت الخلافات مع النخبة المثقفة في مجال السياسة الخارجية في معظمها مسائل تتعلق بالأسلوب، وليس بالمبادئ.

وفي أميركا اللاتينية، أوضح ترامب من خلال الإطار الإستراتيجي لنصف الكرة الغربي، الذي وضعته إدارته، أنّ نصف الكرة الغربي هو “جوارنا”، وفي الشرق الأوسط، قلب ترامب التسوية الطفيفة التي توصلت إليها إدارة أوباما مع طهران، وبذلك عاد إلى الإستراتيجية الأميركية التقليدية المتمثلة في خنق إيران.

وانتقد ترامب تكاليف الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، لكن مستويات القوات الأميركية في المنطقة زادت خلال فترة وجوده في منصبه، كما حدث مع الإنفاق العسكري بشكل عام. وكانت غرائبه من غرائب الحزب الجمهوري الحديث، وهي انعكاس لتحول السياسة إلى اليمين وليس شذوذا بربريا، كما كان يردد خصومه على اتساعهم وتنوعهم.

وعلى الرغم من تعهده بالخروج من الحروب الخارجية، لم يفعل ترامب شيئا من هذا القبيل، فقد واصل برنامج الاغتيالات العالمي الذي تأسس في عهد أوباما، وواصل الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة في اليمن.

واللافت أيضا، هو ما سجلته بعض المقاربات الرصينة بشأن إدارة ترامب للملف الأفغاني، إذ اعتبر آنذاك ، الانسحاب الأميركي من أفغانستان في آب/أغسطس 2021، والذي استلزم الانسحاب المتزامن لقوات أيّ حلفاء غربيين متبقين بمثابة “موت آخر” للإمبراطورية الأميركية.

لقد طغى صخب الخروج النهائي جزئيا على السجل الرخيص لكلّ رئيس أميركي في أفغانستان، من بوش إلى بايدن. وكشف انهيار 20 عاما من الاحتلال وبناء الدولة في أسابيع، أن الحكومة الأفغانية ـ وقتئذ ـ كانت تابعة ومصطنعة وفاسدة، بينما انتهى المخططون الأميركيون في عهد ترامب وبايدن، إلى أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الحفاظ على حكومة هشة ومكشوفة في كابل.

أما التنبؤات الأكثر تشاؤما بشأن توقع “انهيار أميركا” فإنها، أي تلك التنبؤات كانت موجودة قبل أن يظهر ترامب في صدارة المشهد السياسي الأميركي، فلمَ يقال إنّه أكبر معول شج مكانة الولايات المتحدة الأميركية، ووضعها على أولى محطات السقوط والتراجع بكل ما فيها من مبالغات وغلو وتطرف؟!.

ويقول توم ستيفنسون في “الغارديان” يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023: “منذ عقود، كان الناس يقولون إن عصر الهيمنة الأميركية يقترب من نهايته. ولكن في الواقع، لا يوجد حتى الآن أي لاعب عالمي آخر قادر على منافستها”.

وفي كتابه الأخير “لا مثيل لها: لماذا ستظل أميركا القوة العظمى الوحيدة في العالم”، يوثق مايكل بيكلي ـ الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة تافتس، نقاط القوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، والتي تحول دون انهيارها، حتى لو كان على رأسها قيادة سياسية نزقة.

يقول بيكلي: إن هذا العصر فريد من نوعه، ويعتقد أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر قوة من الدول الرائدة في الماضي. فمع امتلاكها 5% من سكان العالم، فإنها تمثل 25% من الثروة العالمية، و35% من الابتكار العالمي، و40% من الإنفاق العسكري العالمي، وهي موطن لنحو 600 من أكثر 2000 شركة ربحية في العالم، وخمسين من أفضل 100 جامعة.

بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة لديها ثمانية وستون حليفا رسميا، وهي الدولة الوحيدة القادرة على خوض حروب كبرى خارج منطقتها الأصلية، حيث تمتلك 587 قاعدة منتشرة عبر اثنتين وأربعين دولة.

لقد أجرى المؤرخ بول كينيدي، من جامعة ييل، دراسة شهيرة، قارن فيها بين القوى العظمى على مدى الخمسمائة عام الماضية وخلص إلى: “لم يوجد شيء على الإطلاق مثل هذا التفاوت في القوة، لا شيء”. إنّ الولايات المتحدة ـ بكل بساطة ـ “أعظم قوة عظمى على الإطلاق”.

تتجاوز قوة الولايات المتحدة العسكرية، الاقتصادية، والعلمية جميع القوى التي سبقتها في التاريخ، وقدرتها على التأثير على الساحة الدولية لا تضاهى.

ورغم الصعوبات والتحديات التي تواجهها داخليا وخارجيا، بما في ذلك الصعود الصيني والتحديات الروسية، فإن شبكة تحالفاتها، وقوتها الاقتصادية الهائلة، وتفوقها التكنولوجي تضعها في موقع فريد لا يمكن تجاوزه بسهولة.

إن ما يطرحه البعض حول “انهيار” الولايات المتحدة قد يكون فيه شيء من المبالغة، وخاصة حين يتعلق الأمر بقدرتها على الاستمرار كقوة عظمى. فقدراتها على المناورة، وإعادة تشكيل سياساتها بما يتلاءم مع المتغيرات العالمية، تجعلها قادرة على التكيف والاستمرار في قيادة النظام العالمي.

وقد تكون السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب مختلفة في أسلوبها وأولوياتها، وقد يثير ذلك القلق والتساؤلات حول استقرار النظام العالمي، إلا أن المؤسسات الأميركية القوية، والديناميات الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم عليها الدولة، تجعل من الصعب تصور انهيار سريع وشامل للولايات المتحدة كقوة عظمى.

مقالات ذات صلة