هاشتاغ-رأي مازن بلال
خارج العمليات العسكرية هناك حرب مختلفة ظهرت بوقت باكر تزامنا مع حالة التمدير الممنهجة لغزة، وهذه الحرب مثلت اتجاها سياسيا حول النتائج التي ستظهر لاحقا مستندة إلى واقع دولي تجاهل تماما حركة “إسرائيل”، وتعامل مع عملياتها القتالية على أنها أمر واقع ولا بد منه لكسر المعادلات المستعصية في المنطقة، وعندما بدأت عمليات الاغتيال في لبنان، بدأ إيقاع الحرب السياسية يتبدل ويطرح شكلا مطلقا لانتصار “إسرائيل“.
الحرب السياسية كانت استباقية بامتياز لأنها وفي سيل إعلامي صورت القدرة “الإسرائيلية” على أنها مطلقة، وخلقت ساحة واسعة فرزت القوى ورسمت سيناريو لما بعد الحرب في وقت كانت الإدارة الأمريكية تطالب بنيامين نتنياهو بخطة “اليوم التالي”، فالنتائج المحسومة بنظر تيار سياسي كامل يجتاح التفكير بالمنطقة قررت مسبقا أن المسار الخاص بالحرب انتهى على الرغم من أن المعارك ما زالت مستمرة.
عمليا فإن الحرب الحالية تختلف نوعيا عن مراحل الصراع كافة مع “إسرائيل” لأنها مصحوبة بحملة دعائية تحملها “النخب” في المنطقة، وسواء كان هذا الأمر مخططا له مسبقا أو نتيجة تشتت النخب لكنه يطرح تصورا خاصا لانهيار سياسي بدأ عمليا وبشكل بطيء منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وهو اليوم يظهر في اتجاه خاص تعززه العمليات الإعلامية لسيل من التحليلات والتغطيات الخاصة التي تجعل من الحرب شكلا عبثيا وميدانا لمفارقات متعددة على المستوى السياسي.
يصعب بالفعل تحديد سيناريو قادم لمرحلة ما بعد الحرب، وفي الوقت نفسه فإن الترويج للتفوق “الإسرائيلي” أمر لا يقدم أي جديد على الصعيد السياسي، فهذا الأمر ليس جديدا ولم يوقف ديناميكية الصراع سابقا، فـ”إسرائيل” منذ خمسينيات القرن الماضي بدأت بامتلاك مفاعلها النووي، وهي اليوم جزء من منظومة واسعة على المستوى الدولي في عدد من العلوم المعاصرة، وهذا الأمر لا يقرر مستقبل المنطقة وهو لا يبرر أيضا طبيعة “البطش” الذي تمارسه، ولا يجعلها واقعا منسجما مع الحالتين السياسية والثقافية للمنطقة.
أخطر ما حدث في الحرب الحالية يتجلى في دخول “إسرائيل” بوصفها طرفا في تحديد القناعات السياسية لبعض النخب، فهي باتت نموذجا لتحديد الاتجاهات المستقبلية أو للاستقواء على بعض اتجاهات التفكير السائدة، فالتفوق “الإسرائيلي” يروج له اليوم على أنه القوة الوحيدة التي ستسد الفراغ السياسي في المنطقة بعد انكفاء النفوذ الإيراني أو الروسي، أو حتى قوة الدول التي تم تدميرها بشكل ممنهج منذ ظهور النظام الدولي الذي أعقب انهيار الاتحاد السوفييتي.
استقراء نتائج الحرب الحالية ليس أمرا يمكن إسقاطه على تفكير حسم مسبقا نتائج المعركة، فالحرب الحالية ستغير بالتأكيد ميزان القوة في المنطقة، لكن هذا الأمر لا يمكن إقراره بتحليلات وحملات إعلامية ودعائية، فنحن سنواجه أوقات عصيبة تحتاج إلى تفكير مختلف ولتحديد مفاهيم في الصراع مع “إسرائيل” تخلف نموذجا جديدا، وتمنعها من أن تكون الشكل الذي يضعنا في مرتبة المنتشي بنصر عدوه.