في ظل التصعيد المستمر والظروف الإنسانية المتدهورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تظل أعين العالم شاخصة نحو التزام الدول الأعضاء بمسؤولياتها القانونية والأخلاقية لتحقيق العدالة المنشودة.
وفي هذا السياق، دعا مقررو الأمم المتحدة، الثلاثاء، إلى الامتثال الكامل لمذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
بيان مشترك يؤكد الالتزام بالقانون الدولي
أصدر المقرّرون الأمميون بياناً مشتركاً رحّبوا فيه بقرار المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدين على أهمية احترام هذه المذكرات والامتثال لها بشكل كامل.
وأشار البيان إلى أن التهم الموجهة لنتنياهو وغالانت تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، معتبرين أن هذا القرار يمثل خطوة محورية نحو تحقيق العدالة.
وأوضح المقررون أن مثل هذه المذكرات يمكن أن تسهم في إنقاذ الأرواح إذا تم احترامها وتطبيقها بشكل جاد.
وأكد البيان أن قرار المحكمة يعكس سعياً واضحاً للمساءلة والعدالة، وهو يمثل لحظة تاريخية وأملاً في إنهاء الإفلات من العقاب عن الانتهاكات التي طالما شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة.
“إسرائيل” واستثناء طويل من المساءلة الدولية
أشار البيان إلى أن استثناء “إسرائيل” من المساءلة الدولية لعقود ساهم بشكل كبير في تصعيد العنف في المنطقة.
وأكد المقررون أن هذا الوضع لا يؤثر فقط على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، بل يمتد تأثيره إلى حياة ومستقبل الإسرائيليين أنفسهم.
واستند البيان إلى أدلة موثقة جمعها خبراء مستقلون، تفيد بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي ضد السكان المدنيين.
كما شدد على أن هذه الانتهاكات ارتبطت بشكل مباشر بالهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة ومناطق أخرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
مذكرات الاعتقال وواجب الدول الأعضاء
في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتركزت التهم على ما وصفه المقررون بـ “الإبادة المتواصلة” التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وبموجب هذا القرار، أصبحت الدول الأعضاء في المحكمة ملزمة قانوناً باعتقال أي من المتهمين إذا دخلا أراضيها، وتسليمهما للمحكمة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
ردود فعل دولية متباينة
بينما لاقى القرار ترحيباً واسعاً من قبل الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية، أعربت الولايات المتحدة عن رفضها الصريح لمذكرات الاعتقال الصادرة.
اعتبر متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي في بيان صادر عن البيت الأبيض أن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك الصلاحية القانونية لمحاكمة “إسرائيل”.
هذا الموقف يعكس دعم الولايات المتحدة المستمر لـ “إسرائيل”، رغم الاتهامات بارتكابها أعمال إبادة جماعية منذ أكثر من عام في قطاع غزة.
واقع مأساوي في غزة جراء العدوان الإسرائيلي
خلف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حصيلة كارثية، تضمنت أكثر من 149 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء.
يضاف إلى ذلك ما يزيد على 10 آلاف مفقود، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية، فضلاً عن دمار هائل طال البنية التحتية والمساكن، مع تشريد مئات الآلاف.
كما خلق ذلك مجاعة تفاقمت لدرجة أودت بحياة عشرات الأطفال والمسنين، في مشهد يُعد من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
الطريق إلى العدالة.. تحديات وآمال
رغم أهمية قرار المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يواجه تحديات عديدة، أبرزها غياب آليات تنفيذ مذكرات الاعتقال بسبب افتقار المحكمة لقوة شرطية.
كما أن رفض بعض الدول -مثل الولايات المتحدة- الاعتراف بصلاحية المحكمة أو التعاون معها من شأنه أن يعرقل تنفيذ القرار، فضلاً عن استمرار الدعم العسكري والدبلوماسي لـ “إسرائيل” من حلفائها الدوليين.
لكن المقررين الأمميين شددوا على ضرورة التمسك بمبادئ القانون الدولي والعمل بشكل جماعي لضمان المساءلة وتحقيق العدالة.
وأكدوا أن الالتزام بمذكرات الاعتقال يمثل اختبارا لإرادة المجتمع الدولي في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.