الأربعاء, مارس 12, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةفنجود سعيد ... شهادة مجروحة!

جود سعيد … شهادة مجروحة!

هاشتاغ سورية- وسام كنعان
شهادتي مجروحة بالمخرج السينمائي جود سعيد! حسناً، ما الضير أن تكون الشهادة مجروحة، في بلاد مذبوحة من الوريد إلى الوريد؟! هي على الأقل إن كانت اعترافاً بالقيمة المتقّدة، ستبدو بمثابة بذرة طاقة إيجابية، وتعميم لحالة ودّ مشعّة لا ينطفئ نورها حتى ولو أمطرت عصفاً مأكولاً! الشهادة هنا، كلمة حقّ في حضرة سلطان جائر، أي الوسط الفني السوري، الذي بات يقتات على فتات السوشال ميديا، والمديح المتهالك الذي لا ينجز سوى نشاز وتشويه بصري. من بعد أن تقاسمت مع صاحب «مطر حمص» همّ الإنجاز الفني، صار ممنوعاً عليَّ وفق عرف المهنة أن أقول بما يقدّمه من فن سابع أي رأي نقدي… سواء المتجّه نحو النصف الفارغ لأن فيه إنكار وانقلاب كما يعتقد البعض الساذج، أو المصّوب باتجاه الجزء المليء، كونه يتضمن محاباة ومجاملة وشهادة مجروحة! على أيّة حال لا يعرف أحد بأن جزءا حقيقيا من صيغة الشراكة مع الرجل يحكمها منطق «الجيرودي» القادم لتوّه إلى المدينة المفعمة، بعد قراءته سبع روايات عابرة، وقد أنزله «الهوب هوب» أمام مقهى المثقفين، وأراد أن يختبر أصغرهم في رواياته التي حفظها عن ظهر قلب، معتقداً بأن الدنيا تبدأ وتنتهي من هذه الكتب السبعة! وتعقيباً على أن الرجل يتدخل في نصوص أفلامه، لدرجة أن شركائه في كتابة تلك النصوص لا يتعرفّون عليها في الصالة لدى عرض الفيلم، وهو ما يستفّز أي كاتب وربما أكون واحدا منهم، وبأن الأمر سيوصل الشراكة إلى ذروة الخلاف والعراك! هكذا، أدرجنا نكتة باعتبار أن جود ينشر صوره كثيراً في النادي الرياضي، ويستعرض عضلاته، فقلت لأصدقاء بأن لدى افتتاح فيلم «رحلة يوسف» (كتابتي مع جود وإخراجه، انتهي من تصويره، ويعكف على العمليات الفنية) ستتوقف سيارتين أمام الصالة، الأولى للهلال الأحمر ستنزل الكاتب أو المخرج على النقّالة، وقد أنهك من الضرب، والثانية سيارة الشرطة التي ستنزل الآخر مقيداً بالكلبشات؟!
على أيّة حال وعودة للشهادة المجروحة التي يفضّل صاحبها البوح عن الصمت، خاصة بعد عرض فيلم «نجمة الصبح» (إخراج جود سعيد وكتابته مع سماح قتّال) فإنه من الحري القول بأن الشريط قفزة نوعية في مسيرة المخرج السوري، وتفّوق صريح على كلّ ما أنجزه من قبل، بل هو تفّدّم علني على ما أنتجته السينما السورية خلال سنواتها الأخيرة، وتخطّيها بمسافات، من ناحية البنية الجمالية البصرية، ورسم الكوادر بعناية، ونحت الصورة بمزاج تشكيلي! الشريط رحلة مشفوعة بإفادة مشروعة من أهم المدراس العالمية، وكبار المخرجين السينمائيين، وتنفيذ لمقولة ورؤية إخراجية مجترحة، بأبسط ما عرفته السينما من ميزانيات. الفيلم عبارة عن دوزنة للصورة والحالة البصرية، مع إيقاع الأداء المتصاعد للممثلين، والمنضبط بلغة واحدة إلى جانب الحدث، والرواية المفقودة عن الحرب السورية! لا نفع من إعادة تدوير القصة، فكلّ ما يمكن القول هنا بأنها اجترار الجرح، ومضغ اللحم الحي بتباين الأسود والأبيض، وتماشي الكوميديا السوداء مع المأساة العميقة، وحكاية الخطف التي عاينتها واقعياً لمدة تزيد عن 25 يوماً في سهل الغاب. وإن كان يؤخذ على الشريط بعض الهنّات في سبك الحكاية والتصعيد الدرامي، فإن الحالة البصرية تأسر المتفرّج، وتسلبه القدرة الفعلية على الإمعان بأي مشكلة تعرّض لها الشريط! على كلّ حال تلعب الصورة والهوية البصرية للفيلم بمنطق شهرزاد وخلق الدهشة، ومن ثم القبض على الفضول والتشويق. فكما كانت تفعل شهرزاد بالملك شهريار تثير دهشته بألف باء الحكاية، وتصوغ فضوله ليستمع لتاء ثاء القصة، فيؤجل قتلها لليوم التالي، ثم تعيد وتصنع له جاذبية في جيم خاء الرواية، وتحكم عليه لينتظر دال ذال السرد، فيعود ويؤجل قتلها! هذا بالضبط ما فعله «نجمة الصبح» باستدراج منطقي لصفعة تلو الأخرى، وفق رؤية جمالية بصرية مبتكرة، إلى جانب تطويع الشريط كتحية لذكرى مدير إضاءته وتصويره الراحل عقبة عزّ الدين، والذي قضى قبل أن يتيح له القدر فرصة رؤية منجزه الأخير!
الصيغة المبهرة للفيلم ترفع قبّعة لكل تلك السنين الفائتة المجبولة بالطموح والشغف. ربما لسيارة الأجرة التي كانت تحمّل على ظهرها مواداً خاماً لفيلم سينمائي، وتجوب شوارع «هوليوود الشرق» هو «مرّة أخرى»(2009) و لوجه الضابط البلجيكي المبتسم في مطار بروكسل، الذي سمح لأوّل مرة بتاريخ عمله لمخرج سوري أن يحمّل أشرطته على متن الطائرة، بعد تأخر شحن البكرات إلى دمشق في وقت كان يجب أن يصل الفيلم ليلحق بمشاركته في المهرجان السينمائي! هو تحية إلى فرنسا التي علّمت المخرج السوري أصول الفن بحرية، وثم تنكّرت لما علّمته وأقفلت الأبواب في وجهه، ومنعت عرض أحد أفلامه في مهرجاناتها استجابة لدعوة «ثوار» النفاق؟!

مقالات ذات صلة