مازن بلال
عدد الوفود التي زارت دمشق في شهر تعبر عن مساحة دبلوماسية جديدة لكنها لا تعني بالضرورة عودة العلاقات مع سوريا عودة عادية، وبصرف النظر عن المرحلة الانتقالية أو انتقال السلطة فإن الهواجس الدولية والإقليمية مرتبطة بطبيعة الدور السوري إقليميا، فالسلطات في دمشق لا تزال ضمن صيغة غامضة، فهي “إدارة” أو “حكومة إنقاذ” ولا تزال الكثير من الأمور العالقة بعيدة عن مسألة الشرعية التي لم تتضح معالمها بعد.
عمليا فإن أي شكل سياسي قادم سيكون للسلطة الحالية دور فيه مهما تحدثنا عن “المرحلة الانتقالية”، فـ”هيئة تحرير الشام” تطبق تجربتها حاليا في إدارة سوريا، وسيكون لهذا الأمر تأثير مستقبلي بسبب غياب “البنية السياسية” السورية منذ مدة بعيدة، فإعادة رسم المرحلة القادمة سيبقى على الصورة التي يتم رسمها الآن في ظل غياب العوامل السياسية القادرة على التأثير العام.
خلال شهر تقريبا كانت السلطة الجديدة في دمشق تطرح مواقف وليس تصورات، ابتداء من الصراع مع “إسرائيل”، وصولا إلى الإجراءات المتخذة عند الحدود السورية – اللبنانية، في المقابل فهي تركت هوية الدولة والاتجاهات السياسية لها لمرحلة ما بعد الحوار الوطني، وفي الوقت نفسه فإن التحرك من أجل الحوار يشير إلى النظرة العامة التي يمكن أن تصدر وذلك وفق عاملين:
الأول الحديث عن دعوات شخصية وليس لهيئات سياسية، فمن سيحضر هم ممثلون “طوائف”، وذلك وفق ما تقدمه الاتصالات التي حدثت حتى الآن، وهذا الأمر سيعطي للحوار صيغة خاصة لـ”التعايش” وليس للشكل السياسي القادم.
المؤتمرات الوطنية تقوم عادة على أكبر تمثيل شعبي وهذا الأمر سيظهر في الحوار السوري وفق الصورة التي يتم التحضير لها، لكن المشكلة في سوريا أن خطوة ما بعد الحوار الوطني ستبقى عائمة مع عدم وجود بيئة سياسية، وهذا الأمر تحديدا مقلق على المستوى الإقليمي والدولي، إذ ستظهر سوريا بصورة تستند إلى “القوة” التي تملكها هيئة تحرير الشام.
الثاني هو توازن داخل سوريا وهو أمر لم يحسم بعد، وذلك مع وجود “فصائل عسكرية” متعددة، فحتى لو تم حل “الهيئة” في إطار جيش جديد، فإن الولاءات للفصائل تبقى موضع تساؤل، خصوصا مع تأثيرات إقليمية في بعض المجموعات المسلحة.
يتم النظر إلى سوريا إقليميا ودوليا على أنها دولة لم تستكمل شرعيتها بعد، فكل الاتصالات التي تُجرى اليوم ما زالت في إطار قراءة المشهد السوري، ومن الصعب إيجاد حلول سريعة لأزمة العلاقات السورية مع الخارج قبل أن تدخل دمشق في مرحلة التوازن السياسي ليس بـ “الحوار الوطني”، وإنما بظهور بنية سياسية جديدة يمكن أن تضمن التزامات سوريا تجاه الخارج.
من المبكر قراءة المشهد السوري دوليا، ولكن من الضروري الإسراع في بناء بنية سياسية على المستوى العام لأنها الوحيدة التي يمكنها التعبير عن الهوية والتنوع السوريين.