هاشتاغ – رأي مازن بلال
عبر عام ونصف من الحرب على غزة ولبنان تمت تصفية القضايا الكبرى من السياسة الإقليمية، وشكل سقوط النظام السياسي في دمشق انتهاء منظومة كاملة وفي الوقت نفسه إسدال الستار عن التاريخ الحديث وتقلباته، وعلى الرغم من أن الموضوع الفلسطيني سيبقى وستظهر أشكال متفرقة من المقاومة والصراع المتفرق، لكن السياسة الدولية فصلت كل أشكال الإقليم عن الموضوع الفلسطيني الذي أصبح محليا، واستطاعت أيضا احتكار سيادة الدول وحصرها في مسائل ضيقة نتيجة الأزمات الطويلة التي عانت منها كل شعوب المنطقة.
بالتأكيد فإن مظاهر انتهاء الحرب في غزة حملت معها قلقا “إسرائيليا” نتيجة الصورة التي ظهرت بها حماس بعد الحرب، لكن تفكير الإدارة الأمريكية يذهب بعيدا نحو صياغة حالة ديموغرافية جديدة تخلق أزمة سياسية “بديلة” بفكرة التهجير المؤقت لسكان غزة، وهذا الأمر المرفوض على المستوى العربي سيدخل مساحة العمل السياسي لسببين:
الأول أن سكان غزة سيجدون أنفسهم أمام جغرافيا غير قابلة للحياة، في وقت لا تظهر فيه بوادر حقيقية لخطة طوارئ سريعة يمكنها توفير مساحة حياة في غزة، فالمسألة ليست إعادة إعمار بل “إعادة عجلة الحياة” إلى القطاع.
رفض الدول الإقليمية “التهجير المؤقت” لسكان غزة سيتخذ مسارا مختلفا مع انتهاء المراحل الأولى لوقف إطلاق النار، لأن مسألة “التهجير” تبدو جزءا من سياسة إدارة ترامب لإعادة رسم الأزمة الفلسطينية، فانتهاء “حل الدولتين” سيدفع نحو أزمة أخرى تتيح البحث عن بدائل، وأهل غزة هم داخل معضلة حقيقية نتيجة حرب لم تخلف دمارا فقط بل بدلت كل أشكال الحياة عندهم، ومهما كان حجم المساعدات التي يمكن أن تقدم؛ فإن حالة سياسية انتهت بالكامل على الرغم من بقاء حماس التي باتت حالة شعبية من دون أبعاد استراتيجية مرتبطة بـ”مقاومة إقليمية” في لبنان وسوريا.
السبب الثاني متعلق بالتحولات السياسية التي خلفها سقوط النظام السياسي في دمشق، فعلى الرغم من أن سوريا كانت غارقة في أزمة طويلة على امتداد عقد ونصف لكنها بقيت حلقة اتصال سياسي على مستوى شرقي المتوسط، ولكن انتهاء هذا الأمر هو بداية ظاهرة سياسية جديدة كليا.
رحيل السلطة السياسية في سوريا الذي يتم الترويج له إعلاميا بصورة “انتصار الثورة” هو في عمقه خطوة للنظام الدولي، وانكفاء واضح لروسيا عن الساحة الدولية، فهي لم تنسحب من سوريا فقط بل أنهت تجربة كاملة لها إنهاء يشابه انسحابها من أفغانستان، أو خروجها من مصر بعد حرب عام 1973، فالمنطقة أصبحت رهن تأثرات دولية مختلفة كليا، وعودة موسكو لتأدية دور قوي يصعب تصوره في ظل ما حدث في سوريا في فترة قصيرة جدا، والتأثير الأمريكي سيصبح أكثر من مجرد دور يمكن أن تؤديه واشنطن في بعض القضايا الإقليمية لأنها باتت اليوم قادرة على رسم سيناريوهات سياسية من دون وجود منافسة دولية.
في المرحلة اللاحقة فإن الأدوار الإقليمية كلها ستتغير تغيرا واضحا لصالح تصفية ما تبقى من الأدوار الكبرى، والمواجهة الإقليمية ستكون مع الشرق الأوسط الجديد الذي سيتأرجح طويلا قبل أن يستقر بشكل جديد.