مازن بلال
زيارة رئيس سوريا الانتقالي الأولى كانت إلى الرياض، بينما كانت التوقعات تتجه نحو أنقرة نتيجة العلاقة بين هيئة تحرير الشام وتركيا، وعلى الرغم من أن أسبقية السعودية لا تحمل حتى اللحظة أي مؤشرات خاصة، لكن الصورة الأولية هي لشكل الإقليم بعد رحيل سلطة البعث، وقدرة السعودية على رسم مسارات جديدة.
بالتأكيد فإن شكل العلاقة بين دمشق والرياض لن تكون على الصورة التي ظهرت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي؛ عندما كانت الدولتان تحددان الأمن الإقليمي خصوصا بعد حرب تحرير الكويت، فهناك اعتبارات جديدة خلقتها منظومة “محور المقاومة” في صعودها وانهيارها، وهناك أيضا اتجاهات سياسية غابت تماما نتيجة رحيل قيادات تاريخية في كلا البلدين، والأهم أن توازن القوة بين السعودية وسوريا اختلف كليا مع الحالة السورية الهشة نتيجة الصراع داخلها.
عمليا فإن السعودية مهتمة بترسيخ مساحة إقليمية تتيح لها تحييد الصراعات لصالح الواقع الحالي، فالرياض اليوم تعيش تحولا ثقافيا واضحا واهتمامها ينصب على استراتيجية خاصة في الأمن الإقليمي تتيح لها الدخول في التوازنات الدولية من دون الحاجة لخوض صراعات إقليمية مع “إسرائيل” أو “إيران”، بينما ترى دمشق من الرياض بعدا اقتصاديا لمسألة التعافي، إضافة إلى النفوذ السياسي السعودي دوليا الذي سيساعدها في تكريس الشرعية الجديدة.
في زيارة الرئيس الانتقالي الحالية رؤية إقليمية مرتقبة لا تحملها سوريا باتجاه السعودية؛ بل تفرض نفسها نتيجة الفراغ السياسي الذي شكّله انكفاء إيران وروسيا وانتهاء سوريا بوصفها قوة عسكرية على جغرافيا حساسة في شرقي المتوسط، وهذا الفراغ يحمل معه خطرين أساسيين:
الأول اقتسام النفوذ على سوريا بدول إقليمية تدعم أطراف سوريا، الأمر الذي سيعقد من مهمة السلطة الجديدة، وهذا الأمر يظهر حاليا سواء في الجزيرة السورية أم في الجنوب، ويشكل خطرا لتصاعد الفوضى الأمنية.
الثاني تبديل صورة “هوية” الدولة السورية بكسر مركزية دمشق والذهاب نحو صيغة عائمة وبإدارة ضعيفة على طول الجغرافيا السورية، وهذا الواقع يعد “مولد” أزمات لا يساعد الرياض في رسم المسار السياسي الذي تحاول تأسيسه بتبريد الصراعات.
الواضح أن الرياض لا تريد التعامل بـ”التدخل القوي” في سوريا، إنما تريد خلق مناخ إقليمي بمساحات التنمية التي تجعلها محورا نتيجة ممكناتها المالية ونفوذها السياسي، فهي على الأقل في الوقت الراهن لا تبحث عن مشاريع استقطاب سياسي لدول الإقليم وخصوصا سوريا ولبنان، إنما تحاول رسم مساحة أمان لنفسها بضمان جبهتها الشمالية لتحقيق منطقة استقطاب اقتصادي خارج النفط الذي شكل على عقود متتالية قوة تقليدية تساعدها في النفوذ الإقليمي.