ينتصب المنزل التراثي، الذي عاشت فيه الفنانة اللبنانية فيروز في منطقة زقاق البلاط، وسط العاصمة اللبنانية، بيروت، إذ شهد بجدرانه المتواضعة محطات مهمة من سنوات عمرها الأولى، ومنه خرجت عروسا في الخمسينيات، لتتزوج من المؤلف الموسيقي والمسرحي عاصي الرحباني الذي أنجبت منه أربعة أولاد، وقد عاشت معه حياة مليئة بالنجاحات الفنية التي طبعت عقودا من التاريخ اللبناني.
شاهد على موهبة فيروز
ولدت فيروز في عام 1935 في بلدة الدبية في قضاء الشوف، إلا أنها نشأت وترعرعت في بيت زقاق البلاط البيروتي الذي تحيط به حديقة صغيرة.
انتقلت إليه في منتصف الثلاثينيات العائلة المتواضعة المؤلفة من الوالد وديع حداد الذي كان يعمل في مطبعة، والأم ليزا البستاني، والإبنة البكر فيروز التي تحمل في الأصل اسم نهاد، وشقيقتها هدى وشقيقها جوزيف.
وهذا المنزل في الأصل كان مخفرا للشرطة في أيام الحكم العثماني للبنان، وقد تحول إلى منزل استأجره والدها في منتصف الثلاثينيات.
شهدت جدران هذا البيت أولى بشائر موهبة السيدة فيروز صاحبة الصوت الماسي، وكان عمرها آنذاك لا يتجاوز الخمس سنوات.
ووفق ما أعلنت في إحدى المقابلات القليلة التي تحدثت فيها عن حياتها الشخصية، وخلالها كشفت أنها كانت تجلس عند إحدى نوافذ بيتها المطلة على الحديقة المحيطة به لتستمع إلى أغان لأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وأسمهان، وليلى مراد، من عند الجيران، فترافقها بالدندنة بصوتها العذب.
وفي حديقة هذا المنزل كانت تلعب، وقد عرف أولى بوادر موهبتها الغنائية في سن مبكرة، إلى أن اكتشفها الملحن اللبناني أحمد فليفل في إحدى الحفلات المدرسية.
كانت فيروز تسكن في الطابق الأرضي من المبنى المؤلف من طبقتين، وقد أضيفت إليه طبقة علوية في العشرينيات.
وبعد أن تركت العائلة البيت أُهمل وانهار جزء منه قبل أن يُتخذ قرار تحويله إلى متحف تقديرا للفنانة.
وتجدر الإشارة إلى أن تاريخ بناء هذا المنزل ذات مساحة 100 متر والطابع الهندسي الذي يراوح بين اللبناني والعثماني، تعود إلى أوائل القرن 19.

موعد تحويل منزل فيروز إلى متحف
وفيما كانت أطلقت مبادرة تحويل هذا المنزل التراثي إلى متحف منذ سنوات طويلة من خلال جمعيات أهلية وشخصيات مجتمعية في بيروت، يكشف وزير الثقافة السابق محمد مرتضى في حديثه لـ “اندبندنت عربية”، أن هذه الخطوة تأتي تكريما لمشوار فيروز الفني الحافل بالعطاء والإبداع، واحتفاء بتاريخها الموسيقي. إذ تلامس أغانيها التي تؤديها بصوتها الذهبي قلوب الأجيال كافة من عقود.
ويضيف: تنطلق الوزارة جديا بهذا المشروع بالتنسيق مع “المؤسسة الوطنية للتراث اللبناني” لتحويل المنزل إلى متحف يحتفي بتاريخ فيروز الفني العريق ومسيرتها الاستثنائية.
علما أن المساعي لتطبيق هذا المشروع كانت قد بدأت في عام 2022، إلا أن ظروف الحرب حالت دون استكمال تنفيذه، تماما كما شكلت عائقا أمام خطوات كثيرة ومشاريع كانت لتنفذ في البلاد.
ويقول مرتضى إنه من المفترض بالمتحف أن يصبح جاهزا قريبا جدا، من دون أي يقدم موعدا محددا، لاستقبال زواره من محبي فيروز ليطلعوا على تذكارات، وصور، ومقتنيات، وتفاصيل من المسيرة الفنية العريقة لـ “جارة القمر”، كما يحلو للبنانيين أن يطلقوا عليها، إضافة إلى كل ما ينقل مراحل من حياتها الشخصية والفنية.
وتترافق الزيارة إلى المتحف مع تسجيل صوتي وموسيقى لنقل الزوار إلى أجواء موسيقى فيروز العذبة ذات الألحان الجذابة.
المشروع المنتظر من سنوات طويلة ويترقبه الكل، إنجازه الفعلي بات قريبا بعد أن تبلورت الأفكار المتعلقة بالتنفيذ، مع كل التفاصيل المرتبطة بالديكور والتنسيق بالتعاون مع الخبراء المعنيين.
يقول وزير الثقافة السابق: “تكمن أهميته الخاصة في أنه شهد سنوات طويلة من طفولة فيروز، وقد أمضت بين جدرانه مع عائلتها سنوات من حياتها. وبهذه الخطوة يمكن تعريف الأجيال الجديدة إلى تاريخها العريق، ويمكن الحفاظ على إرثها الثقافي والفني. في الوقت نفسه، من المفترض أن يكون هذا المتحف عبارة عن ملتقى ثقافي تقام فيه لقاءات ثقافية، مع مكتبة عامة صغيرة ومقهى. نحن الآن في المراحل النهائية وبدأت الأفكار تتبلور، وبدأت تثمر المساعي لتوفير التمويل، ومن المتوقع أن ينجز المشروع قريبا”.
ويوضح مرتضى أنه على تواصل مع فيروز من خلال صديقة مشتركة، وهناك تنسيق معها من أجل إنجاز المشروع.
ويشدد على الهدف الأساسي من هذا المشروع كمبادرة تكريمية تقوم بها وزارة الثقافة والدولة اللبنانية من أجل فيروز التي يصفها بالعمود للثقافة اللبنانية.
وكان قد صدر مرسوم لتحويل المبنى إلى متحف في عام 2015 بعد أن وضع على لائحة الأبنية التاريخية في بيروت من قبل وزارة الثقافة، ما يحميه من الهدم.
وأجاز القرار لبلدية العاصمة باستملاك المبنى وتحويله. هذا إلى أن انتقلت الملكية إلى وزارة الثقافة لإنجاز هذا المشروع بشكل يليق بمسيرة فيروز الغنية بمحطات تاريخية، وبموقعها الفني المرموق في لبنان والعالم.