السبت, فبراير 22, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

صور سورية

هاشتاغ – رأي: نضال الخضري

 صعوبة تلمس المستقبل مأساة الأجيال الشابة، فالغربة فقدت شكلها الجميل بعد عقد ونصف من الحرب، واللجوء الذي كان طريق النجاة الأخير انتهى، وأصبح تخطي الحدود حالة من المجازفة نحو مساحة لم تعد تملك أي رحابة، فكلما ضاق الوطن بالشباب تقلصت مساحات الغربة وانهارت أحلام الوجود على أرض تضيق بأبنائها.

 في سوريا من الهموم ما ينهي أي تفكير في ما سيأتي، ويجعل المستقبل طريقاً وعرة يصعب التنبؤ بما تحمله من تعثر، بينما تبدو فرص النجاة من الفقر معدومة، ويظهر التلويح بـ”رفع العقوبات” وكأنه طوق نجاة، لكن القدرة على التواصل مع الخارج باتت معدومة، فسواء رفعت العقوبات أم استمرت فإن “فرص العمل” تضيق لأن سوريا أصبحت أصغر من قدرة أبنائها على الاستمرار.

 آخر مراحل الحرب هي الأصعب لأنها مواجهة مرة مع الحقيقة، فعندما تخسر كل الأطراف سيبقى الناس من دون تصورات للمستقبل، وسيكتشف الجميع أنهم يقفون على حد ما بين البقاء والرحيل، فالخسارة لم تطل الإنسان فقط بل تجاوزت كل المعايير المتوقعة للاستمرار والاتجاه نحو المستقبل، وصورة سوريا اليوم لا تحتاج إلى تحليل طويل فهي المرحلة الأطول من الحرب التي باتت في نهاياتها لكنها نهاية مفتوحة؛ تحتاج إلى خلق أحلام صعبة وتصفية كل أشكال الماضي، واعتياد احتمال نتائج الصراع القاسية.

 الأحلام الوردية لم تعد ممكنة حتى في التخطيط للهجرة، فالعالم يريد تجفيف منابع الغرباء بعد أن استقبلهم في الماضي بدوافع مختلفة، وهو يبحث اليوم عن حصار مختلف يرفع العقوبات ويحاصر الناس، أو يقتل أحلامهم قبل أن تصبح حقيقة تعطل عليه نظرته الخاصة لشرق هرم من الحروب وتعاقب الحضارات فوق أرضه، وما يدفع للشفقة قبل أعوام أصبح صورة مقيتة لمطاردة مهاجر في شوارع مدينة أنيقة من قبل “النازيين الجدد”.

 نحن وحدنا في زمن خاص نتربع فيه على وهم جديد من حرص الآخرين علينا في “مؤتمر باريس”، فماذا بعد تعليق العقوبات؟ وهل ستصبح أرضنا مساحة لأثرياء يحملون أموالهم ويستنزفون ما تبقى من قدرة المواطن على الحلم؟ ما يلاحقنا لا يرتبط بالعقوبات بل بالعبثية التي أصبحت قدراً، فعقد ونصف من الصراع حطمت كل قدرتنا على فهم ما نحن فيه، ورسمت سوريا “إشارة تعجب” بعد أن استعصى على الجميع فهم ما حدث وما الذي سيحدث، وكان على الجميع اعتياد وجوه جديدة ونسيان أخرى تعاقبت طوال سنوات الأزمة.

 في النهاية سنخرج من هذا الكابوس لحظة إدراك أن سوريا هي “مفهوم” وليست صورة على الخريطة السياسية للعالم، وأن هذا المفهوم يبدأ من أننا عشاق حياة ابتداء من القدرة على البقاء وانتهاء بكسر كل احتمالات الفناء، فالتاريخ ليس رواية بل لوحة خاصة لمجتمعات كسرتها الحروب فخلقت شكلاً آخر للحياة، واستطاعت نسيان كل ثقافة الماضي لتتيح للأجيال القادمة فرصة جديدة للحياة.

مقالات ذات صلة