رأي- أيهم أسد
أنتجت الحروب الثلاث الأساسية التي مرت بها كل من سوريا ولبنان وفلسطين بفترات زمنية متفرقة وبكثافات مختلفة في شدتها في سنوات (2011- 2024) الكثير من الدمار في البنى التحتية، وأهدرت الكثير من الموارد الاقتصادية، وأزهقت الكرامة الإنسانية قتلاً وتشريداً وسجناً، وبالنتيجة فإن تلك الحروب دمرت منجزات التنمية الإنسانية على الرغم من تواضعها التاريخي وأعادت البنى الاقتصادية لتلك الدول إلى حالة من الحطام.
وبعد حالة الاستقرار الأمني والعسكري النسبي التي بدأت تحيط بتلك الدول، برز الاقتصاد بوصفه فاعلا أساسيا في إدارة المرحلة التالية من تلك الحروب، وتحديداً من بوابة إعادة إعمار ما دمرته الحرب في كل منها، فذلك الحطام لا بد من إعادة بنائه ولكن كيف؟ ومن أين؟ ووفق أي شروط؟
وعلى الرغم من تفاوت التقديرات الرقمية في قيمة تكاليف إعادة إعمار كل من سوريا ولبنان وغزة تبعاً لفترة التقييم وجهة التقييم (الأمم المتحدة، البنك الدولي، الدول نفسها)، فإنه من الثابت أن تلك الدول الثلاث ستحتاج إلى ما لا يقل عن نصف تريلون دولار بالحد الأدنى، الأمر الذي يفتح شهية الدول على الاستثمار في ذلك الدمار.
أمام هذا المشهد الواسع من الدمار في الدول الثلاث وفي ظل فترات زمنية متفاوتة تحتاج إليها كل دولة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب سنكون أمام حالة من التنافس الدولي على إعادة إعمار كل منها؟ فلمن ستكون الأولوية في توزيع الأموال الدولية لإعادة الإعمار؟ وما الشروط السياسية والاقتصادية الداخلية والدولية الواجب التزامها من قبل تلك الدول من أجل ضخ أموال إعادة الإعمار؟ وما حصة كل دولة منها؟
لن تنجو عمليات إعادة الإعمار في الدول الثلاث من كماشة السياسة الدولية، ففي حالة هذه الدول الثلاث، وبسبب تعقد المشهد السياسي الإقليمي والدولي حولها، لن تكون عملية إعادة الإعمار عملية تقنية بحتة أبداً بقدر ما ستكون عملية سياسية، أي أنها ستتبع لقواعد الاقتصاد السياسي، لا لقواعد الاقتصاد الصرف، وخاصة في ظل المشروع القومي “الإسرائيلي” الذي يتطلب على المدى البعيد الإبقاء على حالة الإنهاك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لتلك الدول لزيادة ضعفها الداخلي والخارجي أكثر.
وبالنتيجة، سوف تجد الأنظمة الحاكمة في الدول الثلاث نفسها أمام مساومات سياسية دولية معقدة وغير سهلة أبداً للحصول على التمويل اللازم، ولن تكون حتى المنظمات الدولية الكبرى المانحة والشركات متعددة الجنسية بمنأى عن الضغوط السياسية للدول الكبرى المتحكمة بالملف السياسي لتلك الدول، وعليه سوف تخضع عمليات توزيع الأموال الدولية المتعلقة بإعادة الإعمار للمسألة السياسة أكثر من خضوعها للحاجة الحقيقية إلى تلك الدول، فالمنافع من دمار الدول الثلاث هي منافع سياسية واقتصادية للفاعلين الدوليين في هذا الملف، ولا بد للمنافع من أن تفوق التكاليف، وعليه سوف تبني الدول والمنظمات المانحة خططها المستقبلية لإعادة الإعمار بوصفها حالة استثمار سياسي دولي في الحطام الاقتصادي المحلي.