بعد نحو ثلاثة أشهر على سقوط نظام الأسد وحل جيشه السابق، ومرور شهر على “مؤتمر النصر”، ما زالت عملية إعادة هيكلة وزارة الدفاع والجيش تشكل تحديا كبيرا أمام الإدارة السورية الجديدة.
وتبدو عملية الدمج وفقا للطريقة التي تطلبها وزارة الدفاع الجديدة متعذرة، لا بل مستحيلة، حيث لخصها قائد “قسد” مظلوم عبدي بالقول “نحن منفتحون على الربط بوزارة الدفاع السورية، لكن ككتلة عسكرية وليس على شكل أفراد”. وهو ما ترفضه وزارة الدفاع ومن خلفها الإدارة السورية الجديدة.
وقبل عبدي، اتخذت فصائل “غرفة عمليات جنوب سوريا” الموقف نفسه أيضا. وفي حين أعلنت الفصائل أنها ترحب بالخطوات المتعلقة بتشكيل “الجيش السوري الجديد”، لم تبدِ أي مرونة بالمقابل، على صعيد الاندماج كأفراد، مشددة على نوايا البقاء “ككتل.
جغرافيا السيطرة
انتهى المشهد العسكري في سوريا إلى عدد من التشكيلات العسكرية التي تتقاسم السيطرة على الجغرافيا السورية، حيث حلت “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها مكان الجيش السوري السابق في مناطق سيطرته قبل الانهيار، والتي تغطي حوالي 60% من مساحة البلاد.
وبينما لا تزال قوات سوريا الديمقراطية “قسد” تسيطر على شمال شرقي البلاد بمساحة تقارب 25%، كثاني أكبر مساحة سيطرة في سوريا، كما كان الحال أيام النظام المخلوع، تتواجد العديد من الفصائل الأخرى التي تتوزع جنوبا وشمالا، حيث تنتشر الفصائل العسكرية في درعا والسويداء ومنطقة التنف (الجنوب)، وفي الشمال هناك “الجيش الوطني السوري” التابع للحكومة المؤقتة و”الجبهة الوطنية” التابعة شكليا لـ”الجيش الوطني”.
مؤتمر النصر
في “مؤتمر النصر” بدمشق يوم 29 كانون الثاني/يناير 2025، حضرت جميع الفصائل ما عدا “قسد” وفصائل السويداء، وخرجوا بقرارات مصيرية أهمها: تسمية أحمد الشرع رئيسا في المرحلة الانتقالية، ما يعني أن هذه الفصائل باتت تشكل المشهد السياسي الانتقالي عبر الشرعية الثورية وليس فقط المشهد العسكري.
واليوم، وبعد شهر على مؤتمر النصر، ونحو ثلاثة أشهر على تولي إدارة العمليات العسكرية لزمام الأمور، أعلنت العديد من الفصائل، وخاصة المتحالفة مع “هيئة تحرير الشام”، دعمها وجاهزيتها للاندماج، فيما ما زال هناك العديد من الفصائل والتشكيلات العسكرية تستمر في رفض تسليم السلاح، وكل منها لأسباب مختلفة.
وبحسب تقرير “إرم نيوز”، فمن هي الفصائل وما مبرراتها للرفض أو التأجيل؟
هيئة تحرير الشام
تشكلت “هيئة تحرير الشام” في 28 كانون الثاني/يناير 2017، باندماج كل من “فتح الشام” و”حركة نور الدين زنكي” (التي انفصلت عنها لاحقا) و”جبهة أنصار الدين” و”لواء الحق”.
وكانت “الهيئة” مع حلفائها قد سيطرت على منطقة شمال غربي سوريا وأنشأت إدارة مدنية هي “حكومة الإنقاذ” واستغلت فترة وقف إطلاق النار من عام 2020 حتى عام 2024 في إنشاء ألوية عسكرية مقاتلة بلغت 18 لواء.
وخططت مع بعض الفصائل المتحالفة معها مثل “الحزب الإسلامي التركستاني” و”أجناد القوقاز” و”أنصار التوحيد” و”جيش العزة” و”صقور الشام” و”أحرار الشام” لعملية “ردع العدوان” التي انطلقت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 وانتهت بسقوط نظام الأسد ودخول إدارة العمليات العسكرية إلى دمشق يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 2025.
وتعتبر “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها الأكثر انضباطا واستعدادا لحل نفسها ضمن وزارة الدفاع التابعة للإدارة الجديدة في دمشق ومن دون أي تحفظ. كما حضر كل قادتها “مؤتمر النصر” في دمشق
الجيش الوطني السوري
تشكيل عسكري يضم عددا من الفصائل المعارضة لنظام الأسد، تأسس عام 2017 بدعم تركي، وهدف إلى دمج جميع فصائل المعارضة السورية تحت قيادة واحدة.
قاتل “الجيش الوطني” قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في عفرين ورأس العين وتل أبيض، ويبلغ عدد أفراد “الوطني” نحو 29 ألف مقاتل بحسب التقديرات مع عدم وجود أعداد رسمية.
ويتشكل “الجيش الوطني” من ثلاث فيالق أساسية:
- الفيلق الأول: يبلغ عدد مقاتلي الفيلق الأول نحو 9 آلاف مقاتل وينتشرون في مناطق شمال حلب وعفرين ومناطق رأس العين وتل أبيض وجرابلس والباب. يقود الفيلق العميد معتز رسلان وكل فصائل الفيلق انضمت لوزارة الدفاع التابعة لدمشق وأبدت استعدادها للدخول في ترتيب وزارة الدفاع.
- الفيلق الثاني: يبلغ عدد الفيلق الثاني نحو 14 ألف مقاتل تقريبا وينتشر في مناطق الراعي وعفرين والباب ورأس العين. يقود الفيلق فهيم عيسى ويضم عددا من الفصائل كلها التقت بوزارة الدفاع في دمشق وأبدت رغبتها بحل نفسها ضمن الوزارة والترتيب والتنسيق معها.
- الفيلق الثالث: يبلغ عدد الفيلق الثالث التابع لـ”الجيش الوطني” نحو 6 آلاف مقاتل وينتشر في مدينة أعزاز ومحيطها ومدينة الباب ومارع في ريف حلب شمال سوريا.
قائد الفيلق عزام الغريب وكل فصائله، أعلنت رغبتها في الانحلال ضمن وزارة الدفاع التابعة لإدارة دمشق دون أي تحفظ كما حضر كل قادته “مؤتمر النصر” الذي عقد في دمشق في 29 كانون الثاني/يناير 2025.
الجبهة الوطنية للتحرير
هي جماعة سورية مسلحة تابعة لـ”الجيش الوطني السوري” شكليا. تأسست المجموعة في أيار/مايو 2018 من قبل 11 مجموعة في شمال غربي سوريا وتم الإعلان عنها رسميا في 28 أيار/مايو 2018. تم تعيين العقيد فضل الله الحجي، من “فيلق الشام” قائدا عاما للمجموعة، والرائد محمد منصور من “جيش النصر” رئيسا للأركان.
يبلغ عدد عناصر “الجبهة الوطنية” نحو 25 ألف مقاتل في محافظة إدلب وريف حلب الغربي وكل هذه الفصائل على تنسيق عال مع إدارة العمليات، وأبدت استعدادها للانحلال ضمن وزارة الدفاع في الإدارة الجديدة كما حضر كل قادتها “مؤتمر النصر”.
يرى خبراء ومراقبون أنه في حالة “الجيش الوطني” و”الجبهة الوطنية”، فمن الواضح أن الطريق سيكون أسهل للاندماج في الجيش السوري الجديد ووزارة الدفاع، خصوصا أن الداعم التركي في الشمال يتحكم بهذه الفصائل، فيما يرى آخرون أن الاندماج ليس مؤكدا، وهو عرضة للابتزاز التركي، في حال ابتعدت الإدارة الحالية عن نفوذ أنقرة، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية.
قوات سوريا الديمقراطية “قسد”
تأسست في خريف 2015، وذلك في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة الحدودية في شمال سوريا التي تسكنها أغلبية كردية، وكانت المسرح الرئيس لعمليات “قسد”.
منذ البداية، عُرف عن “قسد” أنها مدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة، وأنها تشكلت لتصبح الشريك المحلي لقوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم “داعش”.
وفقا لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، كان الأكراد يشكلون 40% من “قسد”، بينما العرب يمثلون 60% في مارس/آذار 2017، رغم أن مصادر أخرى تشير إلى أن نسبة المقاتلين العرب كانت أقل من ذلك. ومع ذلك، هناك إجماع على أن القيادة في “قسد” تعود للعنصر الكردي.
وتتشكل قوات سوريا الديمقراطية من “وحدات حماية الشعب”. وهي قوة مسلحة كردية وتشكل قواتها العمود الفقري لـ قوات سوريا الديمقراطية، وهي قوات شُكّلت من قبل “الوحدات” وحظيت بدعم عسكري أمريكي. وقد أنشئت “الوحدات” في سنة 2014 بوصفها الجناح المسلح لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي اليساري وهو الفرع السوري لـ”حزب العمال الكردستاني” وتنتشر في مناطق مختلفة من محافظة الحسكة ويبلغ تعدادها التقريبي نحو 20 ألف مقاتل.
وترفض “قسد” حتى الآن الدخول إلى وزارة الدفاع إلا كجسم عسكري له خصوصيته المكانية والتنظيمية في شمال شرق الفرات وهو الأمر الذي ترفضه الإدارة الجديدة في دمشق.
وتدور مفاوضات بين دمشق و”قسد” منذ أكثر من شهر، لكنها لم تصل بعد إلى اتفاق رغم الوساطات العربية والغربية، في ظل إصرار كلا الطرفين على شروطهما. لكن غياب “قسد” عن “مؤتمر النصر” اعتبر سلبيا.
وحدات حماية المرأة
وهي الجناح النسائي من “وحدات حماية الشعب” وتمثل جزءا من قوات سوريا الديمقراطية.
المجلس العسكري السرياني
وقد نشأ في مدينة القامشلي ويقدر عدد مقاتليه بنحو 70 مقاتلا.
قوات الصناديد
وهي قوة عشائرية من عشيرة شمر منتشرة في الحسكة ويبلغ عددها حوالي 2000 مقاتل يقودها نور حميدي الجربا.
ثوار الرقة
وعددهم نحو 1500 مقاتل وهي قوة عشائرية من أهل الرقة أغلبهم من عشيرة الولدة يقودهم أحمد العثمان بن علوش المعروف بـ”أبو عيسى الرقة”.
المجلس العسكري لدير الزور
ويبلغ عددهم 15.000 مقاتل من عشيرتي العكيدات والبكارة يقودهم إياد تركي الخبيل.
درعا
تتعدد الفصائل والتشكيلات العسكرية في الجنوب السوري الذي يضم ثلاث محافظات هي درعا والسويداء والقنيطرة. وبقيت فصائل درعا بعد التسوية مع روسيا على أثر الاجتياح الروسي لمحافظة درعا عام 2018، والاتفاق بين موسكو وواشنطن وعمان.
أهم الفصائل بعد 2018 ودخول روسيا للمنطقة بعد التسوية هو “اللواء الثامن” الذي يقوده أحمد العودة وكان يعمل مع “الفيلق الخامس الروسي”. اللواء ينتشر في بصرى الشام والحراك وخربة غزالة. وهناك المجموعة الواقعة في المنطقة الشرقية لمحافظة درعا والمحاذية لمحافظة السويداء. يبلغ عدد الفصيل حوالي 800 مقاتل.
ومنذ إعلان وزارة الدفاع في الإدارة السورية الجديدة دعوتها لدمج الفصائل المسلحة ضمن جيش وطني موحد، لم يُظهر أحمد العودة استعدادا واضحا لتسليم سلاحه أو حل تشكيله العسكري والانضمام للإدارة الجديدة، ولم يصرح برفض فكرة الانضمام لوزارة الدفاع أيضا.
في المنطقة الغربية هناك “اللجان المركزية” وهم “جماعة أحرار الشام” سابقا يقودهم أبو حيان حيط والذي يسيطر على المنطقة الغربية من درعا بشكل كامل، والذي عمل سابقا مع “الأحرار”.
وهناك “جيش المعتز”، يقودهم أبو مرشد بردان، وهؤلاء موجودون في طفس ومجموعات صغيرة تابعة لهم. وهناك فصائل درعا البلد وإن كانت فصائل صغيرة لكن لديهم سلاح ثقيل وبينهم تكتل وتضامن وتنسيق جيد.
يعتبر الجنوب من أكثر المناطق القلقة رغم تمدد إدارة العمليات العسكرية إلى درعا واستلامها للمخافر هناك ولمؤسسات الدولة، أغلب هذه الفصائل لا ترغب في دخول مواجهة مع إدارة العمليات العسكرية و”هيئة تحرير الشام”.
ويعتقد مراقبون أن الامتناع عن الدخول في وزارة الدفاع من قبل “اللواء الثامن” هو لتحسين شروط التفاوض مع الإدارة الجديدة وعدم رضا البعض عن الشخصيات التي أرسلتها إدارة العمليات إلى درعا. ومع ذلك حضرت جميع فصائل درعا “مؤتمر النصر” في دمشق حتى أحمد العودة أرسل نائبه للمؤتمر.
السويداء
أهم الفصائل في السويداء، “رجال الكرامة” بقيادة الشيخ بوحسن يحيى الحجار، و”قوات شيخ الكرامة” بقيادة ليث البلعوس، و”تجمع أحرار الجبل” بقيادة الشيخ سليمان عبد الباقي، و”قوات مكافحة الإرهاب” كانت سابقا ذراع “حزب اللواء” مالك أبو خير وأعلنوا انفصالهم عنه، ولكن ليس مؤكدا أن الانفصال فعلي حتى الآن.
وهناك “لواء الجبل” قائده السابق كان مرهج الجرماني الذي اغتيل ولم يُسمَّ قائد بديل عنه حتى الآن. وهناك “قوات العليا” في صلخد والريف الغربي تابعة لـ”لواء الجبل”.
تعداد هذه الفصائل غير معروف، خصوصا أن الحالة الفصائلية في السويداء هي ظاهرة اجتماعية لحماية المنطقة وهذه الفصائل منتشرة في السويداء ومناطق في دمشق مثل جرمانا وصحنايا (في ريف دمشق) لحماية المناطق ذات الأغلبية الدرزية ورد اعتداءات تنظيم “داعش”.
هذه الفصائل المقاتلة تبدي استعدادها للانخراط ضمن وزارة الدفاع والدولة الجديدة، لكن ضمن اشتراطات سياسية تضمن الخصوصية القومية أو الدينية وهو ما ترفضه الإدارة الجديدة. وجميع هذه الفصائل ترفع علم الثورة وتتبنى أهدافها وهم يتبعون المرجعية الروحية لشيخ العقل حكمت الهجري.
لكن حتى الآن ترفض هذه الفصائل الانضمام إلى وزارة الدفاع وتسليم السلاح رغم أن البعض منها زار دمشق والتقى بالقيادة الجديدة مثل سليمان عبدالباقي، لكن الشيخ الهجري أعلن رفضه الدخول في وزارة الدفاع قبل كتابة الدستور الذي يضمن حقوق السويداء وتشكيل الدولة المدنية، كما اشترط أن يكون الجيش جيشا وطنيا غير فئوي، وقد شكل غياب فصائل السويداء عن “مؤتمر النصر” علامة استفهام حول موقفها، خصوصا أن الدعوات وصلت لهم من إدارة دمشق.
جيش سوريا الحرة
في عام 2015، ظهر لأول مرة ما يعرف بـ”جيش سوريا الجديد”، أو “جيش مغاوير الثورة”، بدعم وتدريب أمريكي، بهدف محاربة “داعش” وقوات النظام السوري، وكذلك مواجهة التحركات الإيرانية في سوريا٬ متخذا من “قاعدة التنف” الأمريكية الحدودية مع الأردن والعراق مركزا له.
ترجح تقديرات مختلفة بأن أعداد مقاتلي “جيش سوريا الحرة” هو 2500 من المقاتلين من أبناء العشائر في تلك المنطقة، والذين يتم تدريبهم من القوات الأمريكية بشكل مستمر. وفي عام 2022 تم إطلاق اسم “جيش سوريا الحرة” على الفصيل مع تعيين قائد جديد له هو فريد قاسم الذي تم عزله عام 2024 وتم تعيين سالم العنتري بدلا منه، وهو الرجل الذي يقود الفصيل حتى اليوم.
عقد “جيش سوريا الحرة” عدة لقاءات مع الإدارة الجديدة ومع وزير الدفاع مرهف أبو قصرة وتم الاتفاق النهائي على تبعية “الجيش” لوزارة الدفاع والإدارة الجديدة في دمشق، وحضر قادة التشكيل “مؤتمر النصر” وأيدوا كل مخرجاته.
بعد كل ما سبق، من الواضح أن الإدارة الجديدة في دمشق وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” ستواجه الكثير من التحديات لصهر المجاميع العسكرية ضمن منظومة عسكرية دفاعية موحدة وعقيدة قتالية وطنية واضحة، والانتقال من مشهد فصائلي معقد إلى منظومة جيش وطني موحد. ذلك أن وزارة الدفاع التي تتشكل الآن هي مشروع هيئة تحرير الشام، التي انتقلت لتسيطر على كل سوريا وترسم سياسات قد تكون مغايرة للسوريين ولا تعتمد المشروع الوطني، كما يتهمها رافضو الاندماج، وخاصة مع إدماجها لمقاتلين أجانب متهمين بالإرهاب ومطلوبين دوليا، وتسليمهم لمناصب حساسة وعليا في الجيش الجديد.
وبالتالي فإن عملية الدمج لن تكون ممكنة وفقا للعديد من المراقبين، خصوصا مع قوات سوريا الديمقراطية التي تتبنى مشروعا سياسيا مختلفا، وأيضا فصائل السويداء، فيما تبدو الآفاق مفتوحة لولادة تشكيلات جديدة في السويداء والساحل السوري، في ظل عدم الثقة بالسلطة الجديدة و”جيش اللون الواحد”.