السبت, مارس 15, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةأيام تحفر الذاكرة.. الساحل السوري

أيام تحفر الذاكرة.. الساحل السوري

هاشتاغ – رأي: نضال الخضري

 لحظة انكشاف المجازر تصبح الروايات نسيجاً يغلف الحياة، ويخلق ذاكرة الخوف التي سترافقنا على مساحة الأجيال القادمة، فالقتل ليس فعلاً جنائياً؛ بل هو بناء للذعر الذي يحفر في العقل لوناً خاصاً ينسينا أن القاتل يحمل معه التوحش باتجاه المستقبل، فخرائط الرعب التي ارتسمت في الساحل السوري تستحق تاريخاً كاملاً تتعلمه الأجيال، وتكتبه الروايات التي استطاع الناجون وضعها أمامنا على الرغم من خوفهم من تكرار المجزرة.

 مأساة الساحل السوري لا تخص تلك المنطقة فقط؛ لأنها انعكاس لوطن محطم، ولنسيج اجتماعي يصعب كسر فئة منه من دون أن يتهشم الآخرون على إيقاع الموت المرسوم في كل تفاصيل الحياة، فمعاقبة الجناة لا تكفي؛ لأن كم الموت سيبقي القلق الذي يغير كل مسارات الحياة، وإزالة الخوف من كل مساحات الوطن تحتاج إلى إبقاء ذكرى الضحايا في مساحة الضوء وجعلها مساراً لتاريخ جديد يخلصنا من رعب الدم الذي سيبقى طالما اقتصر العمل على “المعاقبة” فقط.

 في سوريا ساحل لا يعرفه السوريون إلا في مساحة جماله، وربما لم يتبادر يوماً أن يتحول إلى جغرافيا تضغط علينا وتتركنا مشردين في أرضنا، وفي سوريا جبال نعرف خضرتها ولكننا نجهل نوعية الحقد الذي جعلها مسرحاً لأكبر جريمة في تاريخنا المعاصر، وسنحمل معنا بعد تاريخ السادس من آذار عقدة الجهل التي تركتنا ننتظر المجزرة التي جاءت إلى مساحة التسامح ونسيان الماضي القريب الذي يجعل من سوريا، وليس الساحل فقط، لوناً لا يمكن كسره.

ما يحدث اليوم في الساحل السوري ليس مجرد صدى لفتنة 1860، بل هو استحضارٌ لجُرحٍ تاريخيٍ غائرٍ لم يندمل بعد، فهو كسر للعلاقة السورية، لرسم تربة خصبة لحروب الفتنة، وجعل الجمال حالة قاتمة يصعب نسيانها أو التملص من مسؤولية الدم المهدور، فعلى إيقاع المجازر تصبح الحياة على حفة لا يمكن النجاة منها لأن الجميع مهدد.

 المشكلة أن البعض دخل في تحليل الروايات وكأن القتل يمكن وضعه ضمن إطار منطقي، فنحن لا ننتظر صور الموت لأنها صرخت في قلوبنا قبل أن تعم المجازر على طول الساحل السوري، ونحن ندرك أن سوريا استُبيحت “إسرائيلياً” ويمكن أن تُستباح طالما أنها خرجت من مساحة “الدولة القوية”، وربما الأخطر أن سلامتها أصبحت وجهات نظر أو روايات تخضع للمساءلة، فهناك سردية واحدة وتختلف فيها تفاصيل القتل، وهناك أرواح معلقة بين السماء والأرض تنتظر أن تصبح “يوماً وطنياً” يحصن أجيالنا القادمة من احتمالات الموت العشوائي.

 صورة الساحل معلقة بالقلب ومحفورة في الذاكرة ومكتوبة بجمال نسائها وقوة رجالها، والعبث اليوم لن يغير من تلك الألوان التي تربطنا بجبال وبحر يؤجج فينا عشق الحياة، فمن يرتكب الذبح لا يعرف أن السوريين عشاق حياة وأنهم سيرسمون تلك المذابح في ذاكرة تستطيع أن تخلق الحياة على الرغم من التوحش الذي يحيط بها.

مقالات ذات صلة