هاشتاغ سوريا- خاص
عندما اشتدت المقاطعة على الدراما السورية أثناء الحرب، تعاطت القيادة السورية مع هذه المقاطعة بمنطق الحفاظ على هيبة هذه الصناعة، واحتوائها، معتبرة أنها واجهة البلد الإعلامية، من خلال الصور المتباينة التي تقدمها عن النسيج الاجتماعي في سوريا، حتى أمست هذه الدراما كناية عن صناعة رائدة غزت الفضائيات العربية، وأشاد بنجاحاتها الكثيرون، حتى أُجريت عنها عدة أبحاث في جامعات أوروبية بناء على المنطق الذي قامت عليه الدراما السورية.
تعاطي القيادة من أعلى مستوياتها متمثلة بشخصية الرئيس بشار الأسد، كان على شكل إصدار توجيهات للمحطات الرسمية لشراء كل الأعمال السورية التي يتم إنتاجها.
حينها اعتقد العاملون على هذه الصناعة، أن القرار سيمكن الدراما من تخطي هذه المقاطعة ويزيد من صمودها، على أن تتبنى فيه الدولة خيار دعمها منتجها المحلي حتى لو كلفها ذلك أموالاً طائلة.
لكن للأسف الشديد تم استغلال هذا القرار بصيغة انتهازية وبأسلوب الدخلاء، وهو ما أصاب الصنعة المحلية بأكبر طعنة في تاريخها، من خلال إنجاز أعمال تندرج تحت مصطلح “المنتج الصيني” لأنها مادة تُصنع بميزانيات بسيطة وتعتمد على ممثلين من الصف الثالث، وكتاب مغمورين لا يجيدون حرفة سبك الحكاية، يواكبها قالب إنتاجي متواضع على أساس أنها مادة تقليدية، بمعنى أنها تأتي بمرتبة متاخرة مقارنة بالدراما المحترفة. لكن للأسف ساءت الأمور وتهاوت إلى مكان أبعد من ذلك عندما بدأ إنجاز مسلسلات كل القائمين عليها هم مجموعة من الجهلة والأميين ، أوصى على إدراما كارثية بمثابة تلوث مشهدي يصوغ قوامه رواد صفحات الـ”فيس بوك” الذين لا يمتلكون أي فكرة عن صناعة المحتوى الدرامي، وتلعب بطولتها عمليات التجميل و”البوتوكس والفيلر” وتُنجز بتراب الفلوس، قد لا تتجاوز ميزانية مسلسل عتبة الـ40 مليون ليرة سورية! أي ما يعادل ربع أجر ممثل محترف في مسلسل متماسك.
هذا الموضوع برز كعطب بليغ أصاب قلب الدراما خلال عدة مواسم كنا نسمع فيها عن مجموعة من الأعمال خلال فترة العرض، لا يزيد العمر الافتراضي لهذه الأعمال عن بضعة أيام أو ساعات قليلة ومع انتهاء عرضها خلال شهر رمضان تذهب إلى أرشيف التلفزيون السوري لتدفن في مثواها الأخير وسط ركام غباره المتكدس، ولا يتم ذكرها إلا عند الحديث عن استغلال هذه التوجيهات الناضجة والغيورة على هيبة الدراما السورية ، ولعل أبرز هذه الأعمال هذا الموسم مسلسل “بوشنكي” (كتابة يسر دولي وإخراج نضال عبيد) المثال الصارخ عن الدراما الرخيصة المبتذلة، ومسلسل “يوما ما” (مجموعة كتاب وإخراج عمار تميم) الذي تم إنجازه بتقنية “فيفا فيديو” نظراً لضعف هويته البصرية وتهاوي الحكاية والمنطق الإخراجي، وغيرهما من الأعمال التي يتاح لها فرصة أذية منطق التلقي عند المشاهد وتشويه ذائقته. ربما تحتاج المؤسسة الإعلامية في سوريا بدلا من لجان الرقابة على المضمون، رقابة من نوع آخر تهتم بالسوية وجودة المحتوى قبل السماح بتمرير مسلسلات تشوه ذهن المتلقي!