استبشرنا خيراً عندما تمت تسمية وزير من خارج المألوف نوعاً ما بوزارة التجارة الداخلية، ولا داعي حالياً للحديث عن حماية المستهلك بعد أن استهلكت كل الأحاديث قيمتها،
كون الوزير؛ وهو بالإضافة إلى عمله الحكومي رجل أعمال ولديه العديد من الاستثمارات التي باشر بها في سورية والإمارات قبل أن يشغل مهامه في منصب حكومي “محافظ”، ثم وزيراً للتجارة، أملاً في إيجاد حل لمأزق وزارة أنهكها الفساد.
لكن ما إن باشر الوزير المذكور عمله وهو المطالب بملفات عدة أغلبها متعلق بالقوت اليومي للشعب الذي بات 80% منه تحت خط الفقر حتى دخل في حالة ثبات،
دون أن يتحقق على الأرض سوى تراجع الوضع المعيشي، والذريعة التي تقدمها الحكومة هي العقوبات الأمريكية، مع تجاهل مستفز لشبهات الفساد التي طالت الصغير والكبير في تلك الوزارة،
بدءاً من مؤسسة التدخل الإيجابي والذراع الرئيسي لها “السورية للتجارة” مروراً بمؤسسة الحبوب المسؤولة عن الخط الأحمر “الخبز”، وصولاً إلى الشركات وغرف تجارتها.
المستغرب في الأمر أن تلك الوزارة تصدر بياناتها الدعائية عن التدخل الإيجابي للمؤسسة الأكثر فساداً وفق ضبوط التحقيقات القضائية على الأقل،
وتتذرع بتدخلها الإيجابي وأثره على الأسواق وكأن الوزير لم يسمع عندما كان مغترباً بشركة تجارة تجزئة عالمية اسمها “كارفور”، وهي شركة خاصة تحقق من التدخل الإيجابي والعروض أكثر مما تفعله خمس وزارات مجتمعة، والغريب في الأمر أن تلك الشركة ربحية وتجارية وخاصة!!
لمن لم يطلع، فإن تلك الشركة تعمل في رأسمال شبه معدوم كونها هي من أسس خطة تدفق النقد وهي من جعلت من اسمها قبلة وحاجة للمنتج والتاجر للتعاون معها، كونها المروج الأكبر والمقصد “الموثوق” للمستهلك من حيث جودة المنتج وضمان السعر، بالإضافة إلى تحقيق بيانات خيالية من الأرباح السنوية!!
لكن تلك الشركة ببساطة لديها قواعد ثابتة لاختبار المدراء وأخرى لتسويق المنتجات ومواصفات للعرض، ولم يتحكم فيها مدراء هم أكبر من المحاسبة والمثول أمام القضاء في حال وجود شبهات فساد، ولا يستطيع القائمون عليها إبرام أو حجب عقود “مفصلة” وفق أهواء الأحبة.
المتابع لعمل تلك الوزارة يلحظ تبدل العديد من الوزراء دون أي تغيير في سياستها وكأنها راسخة كالحقيقة رغم التنوع في الأعمال السابقة لهؤلاء الوزراء وحتى أحزابهم وأنماط تفكيرهم، وكأن الأمر ليس له حل!!
الملاحظ أن الراسخ في تلك الوزارة هو الفساد وبعض “الكهنة” فبالرغم من تبدل الوزراء وحتى إعفاء “السابق” وكأن أمر جللاً سيحصل فور تولي الحالي، لكن مع ذلك لم يتبدل مدراؤها العامين والمعاونون وحتى عدد كبير من مدراء التموين!!
لسنا مع سياسة التغيير لمجرد التغيير، ولسنا بصدد الدفاع عن المسؤولين الحكوميين، لكن السؤال المهم: ماذا يستطيع أن يفعل وزير في ظل وجود منظومة في مؤسسة نستطيع أن نقول إنها أثبتت فشلها منذ سنوات ولا تزال، حتى في أبسط واجباتها تجاه المواطن،
فما للوزير إلا أحد خيارين: إما تأسيس فريق عمل جدير بالنهوض بمؤسسات هي حاجة ماسّة للمواطن، أو الانخراط في تلك المنظومة، ومن ثم الخروج بـ”سواد الوجه” وترك المتحكمين فيها آمنين سالمين، وهذا ما اختاره الوزراء أجمعين!!