هاشتاغ سوريا- عصام التكروري
سأسمحُ لنفسي ـ و هذا أمرٌ نادرٌ ـ أنْ أتكلمَ بلغةٍ قاطعةٍ لا تحتملُ التأويل لأقول بأنَّه منذ اللحظةِ التي لمْ يَعد فيها التطريز جزءاً من حياةِ الصبايا فقدتْ الأنوثة خلخالَ الرِّهامْ، وباتَ للحبِ طعمُ العَرَقِ المضروبِ إذ أصبحتْ مُتعةُ تعاطيه لا تنفصلُ عن آلامِ الرأسِ بكلِّ ما يعنيهِ ذلكَ من إمكانية أنْ يتحولَ نديمُ “السَكرة” إلى غريمِ “الفَكرة”.
عزوفُ شاباتِ هذا العصرِ عنْ التطريز هو ـ برأيي ـ إحدى نتائجِ طفرةِ “الجَندَرة” التي أصابتْ شريحةً منهُنَّ، و تحديداً تلكَ “الطائفة التائهة” ما بينَ”الجَندَرة” و” الغندرة”، والتي روَّجتْ إلى أنَّ “المطبخ ” هو امتحانٌ لديمقراطيةِ الرجلْ، لذا من الواجب أنْ يتساوى الأزواج في تقاسم إهانة “الجلي”.
نجاحُ الرجالِ في الاندساسِ “بصرعةِ الجَندرة” جنّبهم جفاف اليدين ليسقُطَ التطريزُ ضحيةَ “الثورة الجندرية”، وكمْ من ثورةٍ أحرقتْ ياسمينها.
التطريزُ هو حوارُ القلبْ مع المحبوبْ عَبرَ خيطٍ ملوَّنٍ يدحرجُ كُرةَ الرغباتِ على حفيفِ إبرةٍ تحبو بينَ سفحِ النهدِ وشهدِ الزندِ (يا لسعادة القز!) لترفو حُلماً كادَ أنْ يُنجز لولا أنَّ الأملَ هو أبرعُ صيادٍ للخيبات، لكنْ هيهات منَ اللاتي يطرِّزن الخيبة طالما أنَّ هناكَ منديلُ حريرٍ مشدودٍ على “أسوارة”، و إبرةٌ مُذهبةٌ تُحيكُ مع كلِّ غرزةٍ كلمة ” بحبك” فيصابُ بالوردِ شوكُ السياج، وعلى بوحِ عطرهِ تطيرُ تنهيدةٌ مُكحَّلةٌ بحبرِ العتبِ لذلكَ المغرور الذي مرَّ من تحتِ شُرفةِ الشوقِ ولم يلوّح بيدهِ حتى يبقى قلبها “الو على طول”، ولأنَّ الحظَ العاثرَ دليلَ قلبِ العاشق كانَ لابُدَّ من تقريعِ القلب الضَّال بكلِّ ما للبنفسج من قسوة :” مشيتني ع درب وعرة بالضباب … و تهنا ورا عينين بيجيبوا العذاب … و ياما لحقنا الريح … و ياما نطرنا …ويمرقوا و ما يسلموا”، ولأنَّ التطريزَ نقيضَ الوشاية تتلكأ الإبرة عن المُضي في سيرةِ العتبِ فأبرُ صبايا الحي مسنونة، و عيونهم تنتظرُ مزيداً من الجَورِ على ليلكِ الحبيبِ كي تُزهرَ الشماتة في “الدوَّارة” و “تزهر عند الجارة” ذات المغزل الوشّاء، هنا تتوقفُ الصبيةُ العاشقة عن سيرةِ الوجع، فتسيلُ على المنديلِ ” آه ” هاربةٌ من قبضةِ حزنٍ “بمنجيرة قصب” وإذ بطيفهِ يطوِّفُ على جنحِ فراشةٍ في البال، فتعودُ لإبرتها رشاقةُ الغزال، ويسري صوتُه في عروقها جدولَ أغاني، منها ما تعلّقه على أذنيها حلقاً،ومنها ما تنثرهُ على دربهِ حبقاً، وما تبقى ستطرزهُ على منديلِ ذلك المغرور عتباُ:
“بعدك أنا…
حور ضيّع …سر الزهر،ْ
ليرة دهب … سرق التراب رنّتا،
بعدك أنا…
صبية … عشقت نهرْ
و النهر … عشق جارتا،
من قهرها … عطشت شهرْ
و بعدها … كسرت جرّتا”