الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةسياسةهل يستطيع "البديل" الروسي "خنق" قناة السويس؟

هل يستطيع “البديل” الروسي “خنق” قناة السويس؟

“مصائب قوم عند قوم فوائد”، قول مأثور جرى الترويج له كثيراً منذ اندلاع أزمة قناة السويس وتوقف حركة الملاحة بمجرى القناة بسبب “حادث” ناقلة الحاويات “إيفر غيفن”.

هذا القول الذي لم يكن مناسباً في مثل ذلك التوقيت، وكان من الأجدر استبداله بآخر، وهو أن “الصديق يعرف وقت الضيق” الذي طالما أكدت موسكو تمسكها به في أكثر من مناسبة طوال تاريخ علاقاتها الدبلوماسية مع مصر في العصر الحديث على مدى ما يقرب من الثمانين عاماً.

وعلى الرغم من أن سفير روسيا في القاهرة، جيورجي بوريسينكو، كان من أوائل من عرضوا مساعدة بلاده للخروج من الأزمة التي داهمت القناة والمسؤولين المصريين في القاهرة، إلا أن الإعلام الروسي كان على ما يبدو في وادٍ آخر، حيث انخرط المسؤولون والمعلقون في حملة “دعاية” للترويج لمشروع روسيا التاريخي، وحلمها المؤجل الذي يحمل اسم “الطريق البحري الشمالي”.
أما الكرملين، الحريص على علاقاته مع القاهرة، الذي سارع بوأد التوجهات غير الدقيقة التي صدرت عن أحد ممثلي “روس أتوم” المؤسسة المسؤولة عن الطريق البحري الشمالي وكاسحات الجليد النووية.

افتقاد اللياقة السياسية!

رغم أن لروسيا وكل بلدان العالم حق الترويج لما يخدم مصالحها القومية، فإن اللياقة، التي طالما اتسمت بهما سياسات موسكو تجاه القاهرة، وقضايا كانت تقتضيان منها مراعاة مشاعر الأصدقاء في توقيت كان بالغ الحرج، كما تقول وسائل إعلامية مصرية.

وتتابع:”ذلك ما تبدى فيما سارع جيورجي بوريسينكو، سفير روسيا في القاهرة إلى التعبير عنه في ما أدلى به من تصريحات نقلتها وكالة أنباء سبوتنيك، وأعلن فيها استعداد بلاده لتقديم المساعدة إلى مصر لمواجهة أزمة قناة السويس”.
وأعرب عن “القلق الشديد لروسيا إزاء الأحداث في القناة التي تعد ممراً مائياً عالمياً، إلى جانب ما أعرب عنه من أمل تجاه ضرورة أن تتم معالجة هذه المشكلة في أقرب وقت، وتواصل القناة عملها”. وخلص إلى القول، “إن روسيا وبطبيعة الحال تعرب عن استعدادها لتقديم أي مساعدة ممكنة من طرفنا لأصدقائنا المصريين”.

الإعلام الروسي؟

هذه التصريحات التي كشفت عن التوجه العام الذي يمكن أن يندرج في ما نسميه بظهور “الصديق وقت الضيق”، تراجع تأثيرها تحت وقع الاندفاعة الجارفة في الاتجاه المعاكس من جانب الإعلام الروسي، في توقيت مواكب لتدفق التصريحات الرسمية، ومنها ما صدر عن وزارة الطاقة الروسية، التي قالت إن “سفينة الحاويات العالقة التي تسد قناة السويس في مصر تسلط الضوء على مدى الأمان والاستدامة لمسار الممر البحري عبر القطب الشمالي التابع لها وخطوط أنابيب الطاقة الروسية”.
ولم تكتف الوزارة الروسية بذلك لتواصل تصريحاتها التي نقلتها وكالة “رويترز” حول أن هذا المسار “شديد الأمان وله مراكز تنافسية من حيث تكاليف النقل، وكذلك الاعتمادية مقارنة مع المسارات البديلة”.
أما وكالة أنباء “إنترفاكس” فنقلت عن نيكولاي كورتونوف المسؤول عن ملف الطريق البحري الشمالي الذي قدمته بوصفه “سفيراً روسياً متجولاً”، تصريحاته التي قال فيها “إنّ تعطل الملاحة في قناة السويس يبرز أهمية تطوير الممر البحري عبر القطب الشمالي، الذي بات يمكن استخدامه في شكل متزايد بسبب التغير المناخي، وأنه من الضروري التفكير في كيفية إدارة مخاطر النقل بكفاءة وتطوير طرق بديلة لقناة السويس، ومنها أولاً وقبل كل شيء الممر البحري الشمالي”.
ومن المعروف أن روسيا بدأت عملياً في استخدام هذا الخط الملاحي، حيث أعلنت شركة “نوفاتك”، وهي أكبر الشركات الروسية المنتجة للغاز في روسيا، عن “استمرار نقلها الغاز فائق التبريد عبر هذا المسار على مدار العام”.
وقالت مصادر روسية لوسائل إعلام، “إن موسكو تراهن اليوم على هذا المسار، الذي يتطلب كاسحات جليد وناقلات نفط خاصة، لنقل الشحنات إلى كل من أوروبا وآسيا”، فيما أشارت إلى أن هذا المسار، يوفر مسافة أربعة آلاف ميل بحري، مقارنة مع البديل الجنوبي عبر قناة السويس.
وكانت شركة “غاز بروم نفط” الروسية أرسلت في تموز/ يوليو الماضي، عبر هذا المسار أول شحنة من نفط القطب الشمالي إلى الصين، وبلغت شحناتها نحو 33 مليون طن العام الماضي، وتتوقع وزارة الطاقة أن تصل إلى 80 مليوناً سنوياً بحلول 2024.

الترويج للبدائل!
وظل رجال السياسة والخبراء الروس يروجون لمشروعهم طوال أيام الأزمة، من دون أن يكفوا عن المقارنة مع المخاطر المتوقعة من جانب “البدائل الأخرى” ومنها قناة السويس.
وكان الاقتصاد الروسي في مقدمة المستفيدين من توقف حركة المرور في قناة السويس، حيث أشارت وسائل الإعلام الروسية إلى أنه “في الوقت الذي علق 500 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من قطر في القناة، استمر الغاز الروسي في التدفق بحرية إلى أوروبا، بما في ذلك عبر خط أنابيب التيار الشمالي في قاع بحر البلطيق، إلى جانب ما شهدته صادرات النفط الروسية من ارتفاع مؤقت يقول المحللون إنه قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار”، وذلك في توقيت قالت المصادر الاقتصادية أن مجمل خسائر التجارة العالمية كان يبلغ ما يقرب من 10 مليارات دولار يومياً بسبب استمرار وقف حركة الملاحة في قناة السويس.

بينما تداولت وسائل إعلام محلية، ما قاله خبراء روس حول “أن استعصاء إيجاد حل سريع لأزمة القناة، أدى إلى البحث عن طرق بديلة لإرسال البضائع من آسيا إلى أوروبا وبالعكس”.
ومن هذه التصريحات أيضاً ما قاله جيرمان ماسلوف، نائب رئيس قسم الخدمات اللوجستية في شركة “فيسكو” اليابانية المنشأ، حول أن الشركة طلبت طريقاً لنقل بضائعها عبر الأراضي الروسية.
وذكرت وسائل علامية روسية، “أن مجموعة نقل “فيسكو”، التي كانت تنقل البضائع فقط عبر قناة السويس، طلبت عبور بضائعها عبر روسيا، بحيث يتم تسليم شحنة الشركة، إلى جانب شحنات شركات النقل الأخرى، لميناء مدينة فلاديفوستوك أكبر موانئ الشرق الأقصى الروسي، ومن هناك يتم إرسالها بالسكك الحديدية إلى أوروبا”.
وأوضح ماسلوف، أن “فيسكو” ترسل وحدها 30 إلى 35 قطار حاويات أسبوعياً، ملاحظاً أن البنية التحتية للسكك الحديدية الروسية، على الرغم من العمل الشاق، فإنها تتواءم مع حركة المرور المتزايدة.
كما نقلت المصادر عن الخارجية الروسية ما أشارت إليه حول “أهمية تطوير طريق بحر الشمال كبديل لقناة السويس، حيث أظهر إغلاقها ضرورة تطوير طرق بديلة”.
وأعلنت الخارجية الروسية، في بيان أصدرته بهذا الشأن، “أنه من الضروري التفكير في كيفية ضمان الإدارة الفعالة لمخاطر النقل وتطوير طرق بديلة لقناة السويس، أولاً وقبل كل شيء، طريق بحر الشمال، التي أبرزت الحاجة إلى مزيد من التطوير من خلال السفينة الجانحة”.

انتهاز الفرصة!
وتطرقت صحيفة Dagens Nyheter السويدية، إلى ما وصفته بـ”محاولات روسيا الاستفادة من الازدحام المروري في قناة السويس”، وأشارت إلى أنها “انتهزت الفرصة للإعلان عن طريقها للممر التجاري الخاص بها في شمال سيبيريا، الذي يطلقون عليه أيضاً اسم “البديل الأخضر” لما له من إيجابيات تتعلق بـ”التكلفة الأقل للوقود، والانبعاثات الأقل”. ولم تكتف الصحيفة السويدية بنقل ما تُسوقه موسكو من إيجابيات لمسارها الشمالي، وقالت إنه لا يخلو أيضاً من سلبيات قد تنجم عن أن “زيادة حركة المرور على طول هذا الطريق الروسي الذي تعتزم موسكو جعله الطريق الأكثر استخداماً خلال السنوات العشر المقبلة، وعلى العكس من ذلك، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم تغير المناخ وزيادة الاحتباس الحراري”. وحول الطريق البحري الشمالي تقول المصادر إنه “صالح للملاحة الآن لمدة خمسة أشهر تقريباً في السنة.

وكانت حركة المرور أصبحت خلال السنوات الأخيرة هناك أكثر كثافة وتميل إلى الزيادة بفضل تنشيط استخدام كاسحات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية. وجرى نقل 10.7 مليون طن من البضائع على طول الطريق في عام 2017، وفي عام 2020، ارتفع الرقم ليزيد حتى 33 مليون طن، وهي أرقام تقل كثيراً عما يمر عبر قناة السويس من بضائع تقدر بثلاثة ملايين طن يومياً، أي ما يزيد على المليار طن سنوياً.

ويبقي القول، إن قائمة بدائل قناة السويس لا تقتصر على الطريق البحري الشمالي، وأنها تضم ما يمتد عبر نظيره البري الذي يخترق القارة الآسيوية عبر السكك الحديدية التي تربط الشرق الأقصى بالقارة الأوروبية، إلى جانب الطريق “شمال- جنوب”، وهو خليط بين البري والبحري من المحيط الهندي جنوباً حتى الشمال عبر بحر قزوين، إلى جانب ما يقال حول إنه يجرى التفكير في إنشائه على مقربة من قناة السويس في منطقة الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة