تصل أطنان من الكسكسي التونسي والمعكرونة سنوياً إلى “إسرائيل”، وتتولى عمليات التصدير شركة تونسية معروفة متخصصة في العجين الغذائي، عبر أساليب ملتوية وشركات وهمية وحسابات بنكية سرية.
ولم تقتصر المبادلات التجارية الملتوية وغير الرسمية مع “إسرائيل” على العجين فحسب، بل شملت أيضاً مادة التن (التونة)، وما يعرف في تونس بـ”الهريسة”.
تحايل على القانون
النائب عن التيار الديمقراطي نعمان العش، الذي وجه سؤالاً كتابياً إلى وزير التجارة محمد بو سعيد حول المبادلات التجارية السرية بين تونس و”إسرائيل”، وأكد أن المنتجات التونسية يتم تصديرها عبر فرنسا، ومن خلال شركة تجارة دولية أخرى تقوم بتحويلها إلى ميناء أشدود الإسرائيلي، في حين تحول الأموال إلى حساب مصرفي سرّي خارج تونس.
واتهم العش هذه الشركات بـ”تبييض الأموال والفساد والدوس على ثوابت الدستور التونسي الرافض للتطبيع مع إسرائيل”، داعياً النيابة العامة إلى التحرك وفتح تحقيق قضائي.
وكان العش دعا، في مداخلة في مجلس النواب، إلى ضرورة مقاطعة هذه العلامات التجارية.
واستغرب النائب عدم علم وزير التجارة بهذه المسألة، متسائلاً عما إذا كانت هذه المواد مدعومة، قائلاً “إذا كانت هذه المواد مدعومة من الدولة فيا خيبة المسعى أن تقوم الدولة التونسية بدعم مواد غذائية موجهة إلى إسرائيل”.
دعم الكسكسي
ووفق القانون المنظم للدعم في تونس، فإن المواد التي تحصل على الدعم من الدولة هي: الحبوب ومشتقاتها والزيت النباتي والحليب نصف الدسم والسكر والعجين الغذائي والكسكسي والورق المعدّ لطباعة الكراس والكتاب المدرسي.
ويندرج دعم المواد الأساسية ضمن سياسة التحويلات الاجتماعية الهادفة إلى تحقيق العدالة وإعادة توزيع الدخل الوطني.
وبلغ حجم الدعم في موازنة السنة الحالية (2021) ما يزيد على 2.4 مليار دينار (حوالى مليار دولار).
وزارة التجارة لا علم لها!
وفي ردّه على سؤال العش، أكد وزير التجارة أن لا علم له بموضوع المبادلات التجارية مع “إسرائيل”، مؤكداً التزامه المبدئي بروح الدستور، متعهداً بفتح تحقيق.
لكن الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في تونس، محسن الدالي، أكد أنه لم يتم إلى الآن فتح تحقيق قضائي في شبهة المبادلات التجارية مع “إسرائيل”، مشيراً إلى أنه في حال تأكدت المعطيات وتوافرت قرائن انتهاك القانون أو شبهة تبييض أموال، فإن النيابة العامة ستتعهد بالتحقيق في القضية.
“الديوانة” تنفي!
في غضون ذلك، نفى هيثم زناد الناطق الرسمي باسم “الديوانة” (إدارة عامة تابعة لوزارة المالية)، أن يكون لتونس خط مباشر للتصدير نحو “إسرائيل”، موضحاً أن أعوان “الديوانة” يتثبتون من وجهة التصدير.
لكن زناد يشير إلى حدوث عمليات تغيير وجهة بعد خروج البضاعة من تونس، حيث يعاد توجيهها عبر شركة شحن أخرى.
وأضاف أن البضاعة تباع إلى شركات وساطة عالمية، تتولى إيصالها إلى “إسرائيل” أو غيرها.
وأشار إلى أن “الديوانة” تقدم تسهيلات في عمليات التصدير، إلا أن أعوان المراقبة لم يلاحظوا وجود أي علامة ل”شركة إسرائيلية” على بضائع تونسية معدة للتصدير.
يشار إلى أنه تم تداول صور على صفحات التواصل الاجتماعي لنوع من الكسكسي التونسي معلّب وعليه علامة لشركة “إسرائيلية” مكتوبة بالعبرية.
من جهته، أكد مدير الشركة المعنية بموضوع المبادلات التجارية مع “إسرائيل” عدنان حميدة، في تصريح صحافي، أن “ليس الكسكسي فقط الذي قد يباع في السوق الإسرائيلية، إذ يمكن تمرير أي منتج تونسي عبر شركات فلسطينية أو عربية”، مضيفاً أن “عمليات التصدير التي تتمّ عبر ميناء أشدود تقوم على التعامل مع فلسطين المحتلة وليس مع إسرائيل”، وأن الشركة المصنعة للكسكسي تتعامل مع شركة تسمّى “غودي فودز” منذ حوالى 10 سنوات حيث يتم تصدير قرابة ألف طن سنوياً.
القانون والبرلمان
ولم ينظر البرلمان التونسي عام 2015 في مبادرة تشريعية لـ”تجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي” تقدّمت بها الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية وأخرى قومية)، في حين تقدمت الكتلة الديمقراطية بمشروع قانون جديد في كانون الأول)/ ديسمبر 2020، لكنه لم يعرض على النواب بعد.
وقد أثار تأخر مجلس النواب في إقرار قانون يجرم هذه العلاقات، وعدم وضوح القرار السياسي إزاء هذا الملف أثار جدلاً في تونس.
وندد عضو الهيئة الوطنية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع والصهيونية أحمد الكحلاوي، بمحاولات “التطبيع الممنهجة” من قبل دوائر نافذة ومؤثرة في القرار السيادي التونسي، لافتاً إلى أن عدداً من القيادات السياسية التونسية يشارك في مؤتمرات دولية من تنظيم “إسرائيل”.
وإذ دعا إلى “ضرورة تجريم التطبيع بالقوانين”، أشار إلى أن القضاء التونسي “أنصف الهيئة في أكثر من مناسبة، فعندما تقدمت بشكوى ضد مشاركة لاعبين إسرائيليين في مسابقات رياضية تم تنظيمها في تونس على الرغم من محاولة التغطية على المشاركة الإسرائيلية”.
وشدد على أن “إسرائيل تعمل على اختراق تونس عبر مجالات متعددة، منها التجارية والسياسية والاقتصادية والثقافية”.
بينما تنفي الجهات الرسمية التونسية أي تعامل لها مع “إسرائيل”، تشير قاعدة البيانات الإحصائية لتجارة السلع الأساسية للأمم المتحدة، إلى أن 85 في المئة من السلع المتبادلة بين تونس و”إسرائيل” عام 2015، كانت سلعاً زراعية ومواد استهلاكية وصناعات تحويلية، في حين تستورد تونس من إسرائيل أسمدة ومعدات زراعية ومواد كيماوية، إضافة إلى معدات طبية وصيدلية.