لا تزال قضية النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون تتفاعل بشكل كبير، بعد رفضها الانصياع لقرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي حدّ من صلاحياتها من خلال كفّ يدها عن عدد من الملفات في نطاق عملها، وهي جرائم المخدرات والقتل والملفات المالية التي كانت عون تعمل عليها.
وشددت على أنها لن تكون “شاهد زور على انحلال القضاء، ولم نأتِ لتغطية فريق سياسي في وزارة العدل، ولا يمكنني الاستمرار بتصريف الأعمال في هذه الأوضاع الرديئة. القضاء يحتاج الى محاسبة داخلية وفورية لرفع واقع الظلم عن كل القضاة، وألا يترك البلد من دون سلطة قضائية أو يتحوّل القضاء إلى ضحية”.
وعقب صدور القرار، دخلت القاضية عون عنوة مكاتب “مكتّف” للصيرفة في عوكر، بحماية عناصر من أمن الدولة ومؤازرة ناشطين من تحالف “متحدون”، وذلك بحسب قولها “استكمالاً للتحقيقات” التي كانت تجريها في ملف الصرافين.
محاولات تهدئة
حاول وكيل الشركة المحامي ألكسندر نجار التفاوض مع عون، ولفت انتباهها الى أن ما تفعله غير قانوني، خصوصاً بعد قرار عويدات بكفّ يدها عن هذه الملفات، وحصرها بثلاثة محامين عامين فقط، هم سامر ليشع وطانيوس الصغبيني وسامي صادر، من دون أن يلحظ القرار اسمها، ما يعني أن ملف الصيرفة انتقل إلى يد القاضي ليشع، ومعه كل الملفات المالية، كمحامٍ عام في جبل لبنان.
لكن عون رفضت الخروج من المكاتب، وطلبت من عناصر أمن الدولة إجبار الموظفين على تسليمها الداتا، إلا أن مرجعاً قضائياً كبيراً طلب من المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا سحب العناصر الأمنية، فبقيت عون هي ومرافقَيْها وبضعة ناشطين.
بعدها قال المحامي نجار إنه مرحّب بها لتشرب القهوة وتستطيع أن تبقى في المكتب باعتبارها قاضية وامرأة. وأضاف “نحن قدّمنا طلب ردّ بحقّك، وهناك قرار جديد بعزلك، نحترمك كقاضية لكن لا يحق لك التدخّل في هذا الملف”، فأجابت: “أنا لا آبه بقرار غسان عويدات، وأنا لم آبه بالمديرة العامة لمصلحة تسجيل السيارات والآليات هدى سلوم، ولا بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولا بالنائب سليمان فرنجية، فهل سأسأل عن غسان عويدات؟ أنا معي الشعب”.
عون تطلب مؤازرة أمنية
وخلال مكوثها داخل مكاتب الشركة، أجرت مكالمة هاتفية طلبت فيها مؤازرة أمنية، وقالت لمن تحادثه عبر الهاتف: “تعال وأنا أؤمن لك غطاءً”، وفق ما ورد في شريط كاميرا المراقبة.
وإثر ذلك، غادرت عون أحد المكاتب الذي تم خلعه في الشركة، وتوجهت إلى الطابق العلوي لتسطير محضر، وطلبت ختم المكتب الذي تم خلعه بالشمع الأحمر، وفق ما أفاد أحد محامي شركة “مكتّف”.
بقيت عون داخل مكاتب شركة “مكتّف” وحتى الساعة التاسعة تقريباً من مساء الجمعة، وقبل أن تغادر المكان، أفيد بأن فريقاً طبياً حضر إلى مقرّ الشركة للكشف على عون بعد ارتفاع ضغطها أثناء وجودها هناك على مدى ساعات.
وقبيل مغادرتها، تجمّع مناصرو “التيار الوطني الحر” أمام الشركة تأييداً لما تقوم به. وفي كلمة إلى المعتصمين، قالت عون: “إن عملنا مستمر والقضاء معكم، وأشكركم على دعمكم”.
اجتماع قضائي طارئ
وعُقد اجتماع قضائي طارئ السبت 17 نيسان/ أبريل دعت إليه وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، خُصص للبحث في قرار كفّ يد القاضية غادة عون كمدعية عامة استئنافية في جبل لبنان وما حصل بعد ذلك في شركة الصيرفة.
وبعد الاجتماع، أدلت نجم بتصريح حثت فيه هيئة التفتيش القضائي على “التدخل ووضع يدها على كامل هذا الملف، فتحدد القاضي الفاسد والمخطئ”. كما طالبت بـ”تحريك كل الملفات العالقة في التفتيش القضائي”، وشددت على ضرورة أن “ينتفض القضاء على الواقع القائم، وأنا لم أترك كتاباً إلا ووجّهته إلى مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي والنائب العام التمييزي، لنصل إلى قضاء فاعل”.
خطوة غير مسبوقة
ويعد تصرّف عون خطوة غير مسبوقة في تاريخ القضاء اللبناني، برفضها قرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، علماً أنه هو رئيس النيابات العامة، ومفوَّض في الأساس من أعلى هيئة قضائية هي مجلس القضاء الأعلى.
واستند عويدات في قراره بتوزيع جدول الأعمال في عدلية بعبدا إلى نص المادتين 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية و31 من المرسوم الاشتراعي الرقم 150 /83 (قانون القضاء العدلي). وطلب عويدات من كل الأجهزة الأمنية التي تشكّل الضابطة العدلية التقيّد بهذا القرار.
وأثار تصرّف القاضية عون استياء لدى الرأي العام اللبناني، ولدى الجسم القضائي، خصوصاً أنها من المفترض أن تكون من القضاة الذين يكافحون الفساد والفاسدين.
في حين تساءل الطرف الآخر عن أسباب خفوت صوت المتظاهرين تجاه “عرقلة التحقيق الجنائي ومحاولة كفّ يد غادة عون واستهدافها؟”.
الوسط القضائي
كذلك اعتبرت هيئة محامين في “تجمع اللجان والروابط الشعبية” في بيان أن “الوسط القضائي والحقوقي يجمع على أن الرئيسة غادة عون تخوض مع القضاة النزهاء معركة مهمة من أجل تثبيت سلطة القضاء ضد الفساد والمفسدين الذين يمارسون النهب والاستبداد، الأمر الذي يجب وضع حدٍّ له. ومهما كانت الانتقادات التي توجّه إلى الأسلوب الذي تعمل على أساسه الرئيسة غادة عون، لكنها تبقى نموذجاً استثنائياً في ملاحقة الملفات وملاحقة كل المشتبه فيهم بجرم نهب المال العام والخاص. وتلك حالة نادرة في الوسط اللبناني يجب الحفاظ عليها وتنميتها، إذ لا يجوز أن يبقى أهل المصارف والشركات المالية هم من يديرون السياسة العامة في البلاد”.
تزامناً، أُفيد بأن مجلس القضاء سيجتمع يوم الثلاثاء المقبل للبحث في المواضيع المدرجة على جدول أعماله، بينها مسألة رفض القاضية عون التزام قرار عويدات.
لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام