يعاني اللاجئون السوريون مصاعب كثيرة في دول “الجوار”، تتمثل بالظروف اللاإنسانية والكم الهائل من المعاملة العنصرية، وعدم الاستقرار، والبيئة السيئة بالعمل، وتعرضهم للإهانة من أرباب العمل، وغيرها الكثير من المشاكل، فقط لأنهم سوريون.
ووفقاً لتقرير جمعية الصحة والسلامة المهنية التركية، شكّل السوريون أعلى نسبة بين اللاجئين في 2019 الذين تعرضوا لحوادث عمل في تركيا، حيث توفي (40) عاملاً سورياً شكلوا ما نسبته (37%) من إجمالي الوفيات بسبب حوادث العمل بين اللاجئين بتركيا.
كما يتقاضى العمال السوريون أجوراً تتراوح بين (1500-1800) ليرة تركية، أي أقل من الحد الأدنى للأجور في تركيا، نظراً لحاجتهم للعمل، فيقبلون العمل بشكل غير قانوني، ما يتركهم عرضةً للحوادث أو للاستغلال من حيث الأجور وساعات العمل الطويلة.
وتشير التقديرات إلى أن عدد اللاجئين السوريين يصل إلى (3.6) مليون لاجئ يعيشون في تركيا بحسب إحصاءات المديرية العامة للهجرة في تركيا.
في ظل تلك الظروف الإنسانية الصعبة، نشر المصرف المركزي التركي تقريراً اقتصادياً تحت عنوان “عواقب التدفق الهائل للاجئين على أداء الشركات وهيكلية السوق وتركيبته”، تمحورت الدراسة (66 صفحة) حول تأثير الهجرة السورية في هيكلية السوق والتنمية للشركات القائمة وتأسيس شركات جديدة. وقام البنك المركزي التركي بتنفيذ هذه الدراسة بجمع بيانات من عدة مؤسسات رسميّة ذات صلة بقضية اللّجوء، إضافة للسجلات الإدارية المعتمدة للشركات المسجّلة في تركيا.
وتظهر الدراسة كم الفوائد التي تقطفها تركيا من وجود اللاجئين السوريين على أراضيها، حيث تقول إن زيادة عدد السوريين في تركيا تسبب بزيادة في مبيعات الشركات التركية، مضيفةً أنه كلما ازداد عدد السوريين بالنّسبة للأتراك بنسبة 10% فإنّ مبيعات الشركات التركيّة تزداد بنسبة 4%، وهذا سببه زيادة الطلب الكلي في الاقتصاد التركي نتيجة زيادة عدد السكان.
وأشارت الدراسة إلى ازدياد عدد الشّركات المسجّلة في تركيا نتيجة الوجود السّوريّ بنسبة (5%) وأدى ازدياد عدد الشركات التركية إلى زيادة الإنتاج التركي، وبالتالي التوسع في إمكانية التصدير، الأمر الذي أعطى الصادرات التركية قدرة تنافسية أعلى، وهذه الشركات الجديدة توفر فرص عمل للسوريين والأتراك على حد سواء.
وتلفت أيضاً إلى أن ربح الشركات التركية ارتفع بنسبة (4%).
كما أدت زيادة عدد اللاجئين السوريين إلى ارتفاع في عدد الشركات الصغيرة المنشأة حديثاً، ما زاد في تنوع المنتجات، إلى جانب “زيادة أعلى في الصادرات وتنوع في المنتجات المصدّرة إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي.
وعللت الدراسة زيادة الصادرات بأن المعرفة والشبكات الاجتماعية للاجئين السوريين حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لعبت دوراً هاماً من خلال المساهمة في التعريف بالمنتجات التركية واعتماد التجار الراغبين بالاستيراد من تركيا على اللاجئين السوريين بسبب خبرتهم التي اكتسبوها، وهذا الأمر أدى إلى زيادة في العقود التجارية للشركات التركية.
ويبيّن التقرير أن وجود اللاجئين السوريين في تركيا أدى إلى زيادة في الصادرات التركية إلى الداخل السوري، وخاصة إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة والمدعوم من قبل تركيا، وسط توقعات باحتمالية ارتفاع هذه الصادرات أكثر خلال الأعوام المقبلة.
وظهر تأثير اللاجئين السوريين بشكل كبير في الشركات التي تعمل ضمن قطاعي الخدمات والبناء، وتم اكتشاف ذلك من خلال انخفاض تكلفة العمالة الرسمية ضمن الشركات الكبيرة، الأمر الذي أكد تحولها إلى استقدام العمالة السورية بسبب أجورهم المتدنية.
ورغم كل ما سبق، يعاني السوريون في دول اللجوء ظروفاً اجتماعية سيئة، حيث يلقي بعض مواطني تلك الدول اللوم على اللاجئين السوريين بأنهم يستنزفون اقتصاداتهم، وبأنهم عالة على دولهم، ويحرمونهم فرص العمل وغيرها الكثير من الاتهامات.
ونظراً لسعي تلك الدول إلى تحقيق أقصى فائدة ممكنة من هؤلاء اللاجئين تحت غطاء المساعدات الإنسانية التي يجمعونها باسم اللاجئين الذين لا تتوفر لمعظمهم حتى شروط السكن اللائق (مثل المخيمات)، تظهر الدراسات الاقتصادية بالمقابل، مدى الفائدة الكبيرة لهؤلاء اللاجئين على تلك الدول، وخاصة دول “الجوار”.
في هذا السياق، وعلى مستوى أوروبا؛ تقول منظّمة “تينت” Tent Foundation وهي منظّمة أمريكيّة غير ربحيّة: إنّ إنفاق يورو واحد على اللّاجئين يحقّق مكاسب اقتصاديّة للدّولة المضيفة تبلغ (2) يورو في غضون خمس سنوات.