عندما نقرأ الواقع السوري فإن أزمة المعيشة تبدو عنوانا أساسيا لا يمكن تجاوزه، ورغم أن التدهور الاقتصادي سببه بالدرجة الأولى تداعيات الحرب.
هاشتاغ-رأي- مازن بلال
لكن المسألة الأساسية في عمقها تكمن في “منهجية” الصراع الذي بدأ عام 2011، فمشكلتنا الأساسية اتضحت خلال حرب عام 2006 بين “إسرائيل” وحزب الله، واتضحت في تمحور النزاع الإقليمي حول الجغرافية السورية.
الشكل الاقتصادي للصراع جاء لاحقا مع الحصار والعقوبات، ولكنه دخل في مراحل مبكرة عبر الشكل الاستراتيجي التي قادت به الدول الفاعلة بالحرب آلية التعامل مع سوريا، ففي عام 2006 أصبح مصطلح محور المقاومة واقعا يعبر عن منظومة إقليمية، ورغم عدم الوضوح في هوية هذه المنظومة وأهدافها التي تتجاوز الصراع مع “إسرائيل”، إلى أنها طرحت تصورا يعاكس التاريخ المعاصر للشرق الأوسط عموما، فهي أدت لأمرين أساسيين:
– الأول الاعتماد على عمق إقليمي يتجاوز البعد العربي المؤسس لنظام الشرق الأوسط لما بعد الحرب العالمية الثانية، فهو يخرج عن نمط البعد العربي للموضوع الفلسطيني، ويتيح للعاملين التركي والإيراني التعامل المباشر مع هذا الصراع.
رغم أن إيران شكلت البعد الرئيس لهذا النظام؛ لكن تركيا في ظل العدالة والتنمية أسست موقعا لها أيضا في التأثير على مجتمعات شرقي المتوسط، واتضح هذا الأمر مع الربيع العربي الذي أتي بالحركات الدينية إلى واجهة السياسة العربية، وأتت هذه التطورات مع بقاء هيكلية النظام العربي ككل، وعملت على رسم استقطابات جديدة له؛ تبدو بعض أبعادها الواضحة في علاقة قطر مع تركيا، أو في الصراع في سوريا والعراق وإيران لإزاحة العامل الإيراني.
– الثاني تهميش البعد القومي لأن النظام الإقليمي المعتمد على محور المقاومة لا يملك هذا البعد، وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى هذا الأمر لكن “تراث” الصراع مع “إسرائيل” انتهى بشكل تدريجي.
الحرب مع “محور المقاومة” لم يكن مجرد نزاع بسيط؛ لأنه مواجهة لتبدل النظام الإقليمي، ولتحول أساسي على مستوى العلاقات الاقتصادية لشرقي المتوسط التي أسست لبنية مستقلة عن النزاعات السياسية مثل عمليات ربط الطاقة، ومنذ عام 2011 كانت دول الجزيرة العربية تسعى لتقديم “نموذج الرفاه” في مقابل المنظومة المضادة، وعلى عكس طروحات القرن الماضي لم يعد مصطلح دول الاعتدال العربي هو السائد، بل استبدل بمصطلحات جديدة مثل الهلال الشيعي أو السني أو غيرها.
بعكس ما حدث في العراق بعد الاحتلال الأمريكي واقتسام النفوذ عليها بين إيران والولايات المتحدة؛ كانت سورية محطة فرز للمشروع العربي القديم ولمحور المقاومة الذي يحمل منظومة مختلفة، فالبعد الإقليمي والدولي في الصراع المسلح كان يحمل معه أيضا حالة من التجفيف الاقتصادي لتغيير الدورين السوري واللبناني على مستوى المنطقة، فالنموذج السوري في الاستقلال الاقتصادي لم يعد مسموحا بوجوده في ظل بقاء محور المقاومة، وفي المقابل فإن الدور اللبناني على المستوى المصرفي والثقافي أصبح أيضا خارج المعادلة.
مسألة الإفقار لم تعد مرحلة في الصراع، بل هي جزء من عملية الفرز مادام “محور المقاومة” يحاول بناء منظومته، وتصفية الحسابات في سوريا تنطلق من إعادة بناء تحالفات تحاول خلق “اقتصاديات” و “مقاومة” دون هوية مستندة للإقليم، بل تملك أبعادا متحولة وفق تحول التنافس الدولي سياسيا واقتصاديا.