تكمن أزمة مؤتمر جوار العراق في تصوراته التي ظهرت في خلفية التحضير لانعقاده، فالمشكلة لا تكمن في عدم دعوة سورية.
هاشتاغ-رأي- مازن بلال
وهو أمر كان متوقعاً منذ بداية التحضيرات له، لكنه انعقد على خلفية نظام إقليمي على وشك الزوال، وبحثه في أمن واستقرار العراق أو مكافحة الإرهاب تعامل مع سياسات الدول وليس مع “شبكات المصالح” التي تؤسس اليوم لمظهر إقليمي مختلف.
عملياً، الحالة الإقليمية شهدت الكثير من التحولات منذ حرب الخليج الأولى، وحتى قبل ذلك عندما تحول النظام السياسي في إيران مبدلاً معه أشكال العلاقات الإقليمية السائدة، لكن الطفرة القديمة، فالمسألة لم تكن في سقوط بعض أشكال الحكم إنما في اضطراب العلاقات الإقليمية بشكل يؤشر على تحول على مستوى “الجغرافية – السياسية” في شرقي المتوسط، وهناك أمرين ضمن المؤشرات الأساسية:
الأولى ظهرت في طبيعة “جغرافية الدول” المؤثرة في جملة الاضطرابات، ورغم أن الإطار العام وضع تركيا وإيران والسعودية في الواجهة، لكن التداعيات التي ظهرت خلال عقد كامل توضح تحولاً في قوة الأدوار وتأثيرها نحو جغرافيات خارج إطار النظام الإقليمي القديم.
كانت قطر الدولة التي حملت الانعطاف الأساسي في التحولات قبل “الربيع العربي” وفي بدايته، ولكن الدور الخاص بالدوحة الذي نقلها إلى عاصمة لاستقطاب الأزمات الإقليمية مثل اتفاق الدوحة (2008) الخاص بلبنان؛ هو بوابة للتغيرات التي بدأت تتبلور ضمن تعثر واضح للعلاقات في الخليج العربي تحديدا، وبدأت معها التغيرات في أكثر الدول تحفظا (السعودية)، في المقابل فإن جرأة الإمارات العربية المتحدة سواء في الدخول في حرب اليمن لتأكيد القوة الإقليمية، ولاحقا في التطبيع مع “إسرائيل” توضح أن التأثير القوي لرسم التحالفات كان من نصيب “جغرافية الدول الأصغر”.
الثاني أن دول مثل الإمارات وقطر أصبحت نقطة التركيز لرسم شبكات العلاقات لإعادة فرز المنطقة، فكلاسيكية الأدوار لإيران وتركيا تم تجاوزها بتحولات على مستوى جيوبولتيك الخليج العربي بالدرجة الأولى.
إن المواقف من هذه التحولات، سلبا أو إيجابا، لا تنفي محاولات رسم المنظومة الإقليمية خارج المحور الأساسي؛ فهي خارج الكتل الإقليمية الكبرى وفي نفس الوقت بعيدة عن الصراع الرئيسي مع “إسرائيل”، وهذا الموضوع ينقل حالة جديدة على مستوى الإقليم لم يتم أخذها بعين الاعتبار في مؤتمر جوار العراق، فهو حاول تجاوز الخطوط الاستراتيجية التي تمر من شرقي المتوسط باتجاه الخليج العربي، وهي خطوط لأدوار مستقطبة تختلف عما قامت به السعودية في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي عبر العمالة الوافدة، بل إعادة توزيع للقوة من خلال الاستناد إلى الثقافة والتقانة بالدرجة الأولى.
في مؤتمر بغداد كانت عملية البحث عن الاستقرار لا تعترف بأن التحولات التي بدأت تحتاج لتصورات جديدة، وأن الأدوار الإقليمية تتحول باتجاه رسم استقرار يتم استقطابه من خارج النظام الإقليمي القديم.