توجه وفدٌ سوري برئاسة وزير الخارجية فيصل المقداد إلى طهران، وذلك تزامنا مع زيارة لمستشار الأمن الوطني الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد، ورغم فارق لا يتجاوز اليوم الواحد بين وصول الوفدين، لكنه يقدم صورة لتشابك سيناريوهات العلاقات الإقليمية.
هاشتاغ-رأي-مازن بلال
فإيران التي تشكل عقدة في مسألة العلاقات الإقليمية تواجه توازنا قلقا في ظل تصعيد دولي، فالإخفاق في التوصل لاتفاق في فيينا حول ملفها النووي ينقل احتمالات مختلفة، تصب بمجملها في ضيق خيارات الأمن الإقليمي.
عمليا فإن زيارة الوفد السوري تبدو في ظاهرها استمرارا للعلاقات بين البلدين، لكنها ستحمل مباحثات وسط دائرة من المواجهات المختلفة في شرقي المتوسط، وهي مواجهات تملك سمتين أساسيتين:
-الأولى مرتبطة بحصار الأزمات في شرقي المتوسط، حيث بات من الصعب تحديد طبيعة المواجهة القائمة، ولم يعد بالإمكان رسم الأمن الإقليمي وفق مكافحة الإرهاب، كما أن استراتيجية طهران في التعامل مع الاضطرابات من العراق إلى لبنان؛ باتت محكومة بتعقيدات أعلى من المواجهات العسكرية.
تحالفات إيران في شرقي المتوسط تم بناؤها منذ انتصار الثورة في إيران على قاعدة التناقض مع السياسة الأمريكية، وهذا التناقض لا يعني بالضرورة المواجهة السياسية المباشرة، إنما الاعتراف بالدور الإقليمي الإيراني، وهو ما يثير حفيظة “إسرائيل” التي تعتبر محيطها الجغرافي “مجالا حيويا”، ولكن متغيرات المنطقة فرض على الطرفين “الإسرائيلي والإيراني” القبول بواقع دولي: أولا في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وثانيا في سورية مع الوجود الروسي والأمريكي، فالأمن الإقليمي لم يعد مرهونا بتوازنات داخلية للإقليم، إنما بحساسية أي مواجهة ممكنة مع كثافة التواجد الدولي، وهو ما خلق سلسلة أزمات متشابكة نتيجة تداخل المصالح الدولية ابتداء بالأزمات الاقتصادية (سورية، لبنان، ومؤخرا تركيا)، وانتهاء بالعقد السياسية في العراق ولبنان.
-الثاني يتعلق بسمة التحالفات، ليس بين سورية وإيران، بل أيضا بين دول الخليج التي وجدت نفسها في علاقة مع “إسرائيل” ضمن خيار للأمن الإقليمي، فمعظم التحالفات لا تملك مساحة جغرافية مريحة لتتطور بشكل طبيعي.
تتجه الإمارات إلى كسر عقدة العلاقات الإقليمية عبر ذهابها المباشر إلى نقاط الخلاف، فهي كسرت عقدة العلاقات مع دمشق في وقت يصعب فيه الحديث عن عودة للعلاقات العربية الطبيعية مع سورية، في المقابل فإن الإمارات التي تقوم بتطبيع مع “إسرائيل” تتجه مباشرة نحو طهران للحوار بشأن الأمن الإقليمي، وبغض النظر عن نجاعة المباحثات بين الإمارات وطهران، فإن المهم هو نوعية التوجهات التي يتم اتخاذها لكسر التوازن القلق القائم.
دمشق تبحث عن “الهامش السياسي” في تحالفاتها الإقليمية، وإيران ليست خيارا بقدر كونها جزء من الثقل الإقليمي في مواجهة العداء التركي بالدرجة الأولى، بينما الإمارات تحاول إيجاد “مساحة استراتيجية” مختلفة عن مسألة أمن الخليج فقط، وهو ما يدفعها أيضا لكسر بعض الهوامش التقليدية، وفي الحالتين لتوجهات الإمارات وسورية هناك دائرة جغرافية مفقودة يمثلها اضطراب العلاقات العربية، وهو ما يحتاج إلى قراءة الأمن الإقليمي في ظل تغيرات غيرت من صورة الشرق الأوسط كليا.