هاشتاغ خاص – (الصين- لجين سليمان)
“رُفِع الدعم.. لم يُرفع.. لن يُرفع.. سيُرفع”..
ربما هي أيام قليلة وسيتم الإعلان فيها عن تحرير عدد من السلع التي كانت خطّاً أحمر كما كانت تؤكد مراراً وتكراراً تصريحات المسؤولين، وعلى رأسهم مسؤولي الحكومة والحزب.
وبغض النظر عن المواد التي سيتم رفع الدعم عنها، أو حتى عن الشرائح المستهدفة، فلا بدّ من السؤال إن كانت طريقة الدعم السابقة تشكّل بالفعل دعماً من قبل الدولة للشرائح الاجتماعية المحتاجة، وهل يكون الدعم الاجتماعي عبر كيلو سكر يصل إلى المواطن أم بتنمية اقتصادية حقيقة، تدفع بالمجتمع إلى الأمام؟.
سنتحدث هنا عن تجربة الصين في القضاء على الفقر، وهي ليست مقارنة أبداً، لأن المقارنة لا تصحّ هنا لأسباب متعددة لسنا بصدد ذكرها، بل هي عبارة عن منهج ربما على كل دولة نامية أن تتبعه بما يتناسب مع ظروفها للنهوض من وضعٍ متردٍّ، حتى لو كانت تتعرّض لـ”مؤامرة كونية” من “القوى الإمبريالية الصهيوأمريكية الغاشمة”.
ماذا فعلت الصين؟
بعد مرور خمسةٍ وأربعين يوما على انتخاب الرئيس الصيني “شي جينغ بينغ” وأثناء جولته التفقدية في محافظة “فوبينغ” في مقاطعة “خبي” عام 2012، وعد بالقضاء على الفقر وتحسين مستوى معيشة الشعب، وتحقيق الرخاء المشترك، وكان كلّ ما وعد به يعدّ من الأسس الجوهرية للنظام الاشتراكي القائم في الصين.
نعم؛ وعد الحزب الشيوعي الصيني “الواحد” أن تكون الصين عام 2020 خالية من الفقر، وهو وعد يمثّل أهمية كبيرة للشعب الصيني، خاصةً وأنه حتى نهاية عام 1978 كان حوالي 97% من سكان الريف فقراء لا يجدون ما يأكلونه أو ما يلبسونه.
أما كيف وما هي السياسات الاقتصادية التي تم اتباعها كي تصل الصين إلى هذا المستوى؟.. فالجواب كان باعتماد التنمية، تنمية فعلية لا كلامية أو خطابية على المنابر.
وكان من جوانب التنمية التي تمثّل دعما حقيقيا للسكان هو ما حصل عام 1996 عندما تمّ إقامة علاقات تنسيق وتعاون بين المناطق المتقدمة الواقعة شرقي الصين، والمناطق الغربية التي كانت تعدّ متخلفة في ذلك الوقت، إذ تعهدت عندها تسع مدن ومقاطعات، من بينها بكين وشانغهاي وشنتشن وتشجيانغ بمساعدة اثنتي عشرة مقاطعة في غربي الصين.
برهن هذا النهج التنموي على أن الوسيلة الرئيسية للقضاء على الفقر هي تعزيز قدرة المناطق الفقيرة للتنمية الذاتية، عن طريق إقامة تعاون بين المدن، بعيدا عن أي مساعدة خارجية، فعلى كل مدينة متطورة أن تدفع بالأخرى إلى التطور.
يوضح بعض الباحثين الغربيين مفهوم القضاء على الفقر بـ”نظرية رشح المنافع (The trickle-down theory)”، فهم يرون أنه من الممكن حل مشكلة الفقر الاجتماعي بشكل طبيعي من خلال التنمية الاقتصادية ومن دون تدخل السياسات الحكومية.
إلا أنه من المستحيل التخلص جذريا من الفقر في هذه الحالة. ولذلك اتبعت الصين أسلوبا معاكسا تماما، فأشرفت الدولة على عملية النهوض من الفقر وفقا لتقييمات للوضع الراهن للفقراء وخصائصهم (فئاتهم العمرية ودرجة الفقر).
كما أعلنت الحكومة الصينية عن مشروعات دقيقة وهادفة لمساعدة الفقراء. وطرح الرئيس “شي” سياسة “الدقة في ست حلقات”، والتي تشمل الدقة في تحديد أحوال الفقراء، الدقة في تقديم المشروعات، الدقة في تخصيص الأموال، الدقة في تنفيذ الإجراءات، الدقة في إرسال الموظفين إلى القرى الفقيرة والدقة في تقييم نتائج القضاء على الفقر.
تتضمن هذه السياسة تقديم المساعدات الملحة واتخاذ الإجراءات الصائبة حسب وظروف القرى المحلية، مما يساهم في توضيح سلسلة من القضايا، منها “من هو الفقير؟” و”من يقدم المساعدة للفقير؟”، و”كيف يتم تقديم المساعدة؟”.
وعلى الرغم من أهمية الوسائل التي اتبعتها الصين ومن نهج نهجها من الدول كي ترفع بلاء الفقر عن الناس، فقد كانت نتائجها بنفس الأهمية، فمثلا، تخلص أكثر من 850 مليون شخص من الفقر في الصين وتجاوزت نسبة مساهمة الصين في قضية تخفيف حدة الفقر العالمية 70%، مما يخلق معجزة صينية في تاريخ البشرية”.
ووفقا لما أعلنه المؤتمر الوطني للحد من الفقر، فإنه منذ بداية تنفيذ خطة تنمية الأرياف للحد من الفقر (2001- 2010)، انخفض عدد الفقراء في المناطق الريفية من 23ر94 مليونا عام 2000 إلى 97ر35 مليونا في عام 2009 .
ربما يكمن الفقر في الدعم ذاته إن كان دعما للسلعة، لا دعما لآلية إنتاج هذه السلعة، فعلى الرغم من الوضع الاقتصادي المزري الذي يعيشه معظم السوريين اليوم، إلا أنهم اعتادوا على دعم لا ينجيهم سوى من جوع آني، لأن الدعم الحقيقي هو دعم تنموي، يُسهم في تحقيق نهضة على المدى الطويل بدلا من أن يحوّل الناس إلى جائعين على الطوابير، ينتظرون كسرة الرغيف، كلما حاكت “القوى الإمبريالية” مؤامرة ما.