مرّ خبر التحقيق مع المسؤولين عن إعطاء اللقاح المضاد لفيروس كورونا في مستشفى التوليد بطرطوس “مرور الكرام”، بعد توجيه تُهم لهم بتسليم وثائق لأشخاص غير ملقّحين على أنّهم ملقّحين.
التزمت وزارة الصحة الصمت “كعادتها” عن الحادثة التي ما هي إلا واحدة من عشرات وربما مئات الحالات التي بدأت تتفشى في العديد من مراكز اللقاح منذ أعلنت بعض المؤسسات والوزارات عن إلزامية التطعيم كشرط للدخول إليها.
“الحالات ليست قليلة” كما تؤكد مصادر خاصة في مستشفى المواساة بدمشق لـ”هاشتاغ”، مؤكدةً أن التوقيفات التي حصلت في طرطوس أو في مستشفى المواساة حتى الآن لا تعبر عن حجم المشكلة، فغضّ الطرف ما زال سارياً عن التجاوزات التي تحصل في باقي المراكز وربما في كل المحافظات.
مطعمون .. على الورق!
“أحمد. ح” كان من أوائل من سمعوا بوجود بطاقات لقاح مزورة، ولم يتردد بالحصول عليها عبر شرائها، وهو مقتنع بفكرة أن “لا شيء يمكن أن يصل إلى البلد ويكون صحيحا مئة في المئة”، وبالتالي فإن “شراء شهادة اللقاح أفضل من تحربته” حسب قوله، ولذلك فإن استخدام النقود يعد ضروريا وإلزاميا في سبيل الحصول على ما يمكن تسميته “بعض التسهيلات في وجه المعاملات المعقدة” التي يضطر إليها في مؤسسات الدولة ودوائرها.
أما الطريق للحصول على شهادة التطعيم حسب قوله فكان أكثر سهولة بالنسبة له،ذلك أن الأمر لم يكن مكشوفا أمام وسائل الإعلام بشكل علني، وبالتالي عُرض عليه أكثر من خيار للحصول على شهادة اللقاح، شراؤها أو طباعة شهادة مزورة، لكنه رفض الخيار الثاني “كنت مصر على أن تكون نظامية من حيث الشكل”، واشتراها من أحد الممرضين في مركز صحي بمنطقة الزاهرة بمبلغ 60 ألف ليرة للجرعة الأولى، و25 ألف للجرعة الثانية.
أما (باسل.ق) فقد عانى قبل الحصول على الشهادة “كنت مضطراً لشراء شهادة التطعيم من أجل إتمام معاملة سفري إلى الإمارات، فهناك لا يمكن تمرير الأمر.”
ولم يتمكن باسل من معرفة الشخص الذي “زوّر” له بطاقة التطعيم، فالأمر حسب قوله حصل عبر أحد أصدقائه الذي يعمل في وزارة الكهرباء، وهو الذي أمّن له سير العملية مقابل مبلغ 200 ألف ليرة “تعاملوا معي كمغترب عندما علموا حاجتي للشهادة من أجل السفر” كما يقول.
بعد سفره إلى الإمارات، تفاجأ باسل بشكل عملية التطعيم هناك، واختلافها عن الموجودة في سورية، وتمنى أن يكون موجودا في الإمارات قبل قرار الإجبارعلى التطعيم “كي تتاح لي الفرصة لبحث خياراتي من أنواع اللقاحات المتاحة وعرض تفاصيل وميزات كل نوعية”، معتبراً أن “الصحة هناك أمانة” حسب قوله.
“تمرير” داخلي!
في تحقيق سابق لـ”هاشتاغ” كان مخصصاً للبحث عن أسباب إحجام العديد من المواطنين عن التطعيم باللقاح المضاد لفيروس كورونا، تطرقنا إلى موضوع الإلزام الحكومي للتطعيم، والذي كان سبباً مهماً في فتح باب فساد جديد كان متوقعاً أن يُفتح وفقاً لعضو الفريق الاستشاري المعني بمكافحة فيروس كورونا، نبوغ العوا.
لم تجب وزارة الصحة على محاولاتنا المتكررة لمعرفة الإجراءات التي ستتخذها للسيطرة على هذا النوع الجديد من الفساد، أو لإقناع السوريين بتناول اللقاح المضاد .
ممرضو المواساة..
بعد التقصي والتدقيق والتواصل مع العديد من العاملين في المراكز المخصصة للتطعيم ضد الفيروس، علم “هاشتاغ” أن العديد من المراكز تبيع بالفعل شهادات اللقاح لطالبيها، وعلى مستوى أكثر من محافظة.
ولم يكن الكشف عن ثلاثة ممرضين في مستشفى المواساة بدمشق هو الأول أو الأخير في حلقة الفساد المستجد، وبحسب مصادر في مستشفى المواساة كان هؤلاء يؤمّنون بطاقة التطعيم ضد كورونا، مقابل أجر مادي يبلغ 100 ألف ليرة. وبعد هذه الحادثة التي مضى عليها ما يقارب الأسبوع، أصبحت عملية شراء بطاقة اللقاح في المستشفى أمراً أصعب، لكنه ليس مستحيلاً، كما تؤكد المصادر، إذ أن عددا كبيرا من العاملين في المستشفى ما زالوا غير مقتنعين بجدوى اللقاح، ويحاولون “تأمين بطاقات اللقاح المزورة بين العاملين فيها فقط!.”
بطاقة على “حجم الواسطة”!
المصادر التي تحدث إليها “هاشتاغ” في أكثر من مركز وأكثر من محافظة قدمت أرقاماً للمبالغ التي يدفعها طالبو شهادات التطعيم، ويختلف سعر الشهادة من مركز لآخر، ومن محافظة لأخرى تبعاً لمتغيّرات عدّة على رأسها “حجم الواسطة والسرعة المطلوبة للحصول على البطاقة”.
ويتراوح السعر وفقاً لاتصالاتنا مابين 10 آلاف إلى 400 ألف ليرة، والأرقام الكبيرة سجلتها محافظة حمص. كما يختلف الأمر حسب المناطق، إذ تبين أن سعر الحصول على بطاقة التطعيم في إحدى المناطق المنظّمة يختلف عن تلك التي يتمّ إعطاؤها في منطقة العشوائيات.
أمّا بالنسبة إلى آلية الحصول على شهادة التطعيم، فتكمن حسب الاستطلاع الذي قام به “هاشتاغ” في أكثر من مركز ومحافظة، في معرفة أحد الممرضين بأحد المراكز التي تقدم اللقاح، للمواطنين الراغبين بالحصول على بطاقة التطعيم مقابل مبلغ مالي متفق عليه.
وأجمع أغلبية الذين التقاهم “هاشتاغ” على أنّ موضوع شراء بطاقات التطعيم كان أمراً سهلاً قبل انتشار “فضائحه” على مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ كانت العملية تتمّ بسهولة وسلاسة، وكان أغلبية المواطنين لا يعترضون على الرقم المطلوب كثمن لشراء البطاقة.
كما أنّ العملية لا تحتاج سوى بضعة أيام لتأمين البطاقة، والتي يزداد الطلب عليها في المراكز المزدحمة أكثر من غيرها؛ حيث “تضيع الطاسة” بسبب الازدحام، وتخفّ عمليات التدقيق “على الداخل والخارج”!.
كيف تحصل السمسرة؟
وفقاً لمصادرنا؛ فإن معرفة أحد العاملين في مراكز إعطاء اللقاح يعدّ شرطاً ضرورياً للحصول على بطاقة التطعيم، لكن الوصول إليه هو ما يحتاج إلى وقت، كما يؤكد عاملون في مراكز التطعيم في دمشق وحمص (رفضوا الإفصاح عن أسمائهم). وتتعدد طرق الوصول إلى الشخص المطلوب “وكلو بسعره” بمعنى أنهّ كلما ازدادت سلسلة المتدخلين وصولاً إلى الهدف النهائي كلما زاد السعر!.
ويكفي سؤال أحد العاملين في مؤسسات الدولة والذي يكون على تماس مباشر مع بقية المؤسسات المرتبطة بمؤسسته، عن طريقة الحصول على بطاقة التطعيم، لتبدأ من بعدها عملية البحث “ضمن المعارف” الذين أصبحوا معروفين بين العاملين في هذا المجال.
تفنّن في الغش!
لم تقف حدود الحصول على بطاقة ملقّح عند معرفة أحد العاملين في مراكز التطعيم، بل إنّ العملية تعدّت ذلك، ووصلت إلى قيام البعض من غير المختصين في الشأن الطبي، من تزوير البطاقة، دون الدخول إلى أي من المراكز، وذلك عبر “طباعة البطاقة نفسها” وتغيير الاسم والتاريخ، وهذه الطريقة وجدت إقبالاً كبيراً؛ إذ أنّ أسعارها أقل من تلك التي يتمّ شراؤها من المراكز مباشرةً، وتصل في أعلى سعر لها إلى 100 ألف ليرة، ولا يحتاج زمن الوصول إليها أكثر من 3 أيام.
زيادة وهمية..
استلمت وزارة الصحة اللقاحات عبر منصة “كوفاكس” وعن طريق الدول الصديقة وخاصةً الصين وروسيا، وقالت بأنها بدأت حملة تثقيف وتوعية بأهمية اللقاح عبر المراكز الصحية و الفرق الجوالة، ومع عدم الوصول إلى النتيجة المرجوة من نسبة المطعّمين، تمّ التحول إلى فكرة فرض تلقي لقاح كورونا على موظفي المؤسسات الحكومية ومراجعيها كشرط لدخول مقراتها.
عن ذلك، تقول مديرة الرعاية الصحية في وزارة الصحة الدكتورة رزان طرابيشي في تصريحات لـ”هاشتاغ” إن نسبة الإقبال على تلقّي اللقاح ارتفعت بشكل واضح بعد صدور هذه التعاميم؛ مشيرةً إلى “ارتفاع عدد متلقي اللقاح من 10 آلاف إلى 20 ألف يومياً، ورغم ذلك ما زالت نسبة الذين تلقوا اللقاح حتى اليوم دون 10 في المئة من المواطنيين” على حد قولها.
وتضيف “تتقارب نسب التطعيم باللقاح في جميع المحافظات، لكنّ محافظة طرطوس سجّلت النسبة الأعلى، حتى الآن، لكن ما حصل في المحافظة مؤخراً، يدعو للشك في الأرقام التي يتم تداولها حول نسب التلقيح، بعد كشف العديد من البطاقات المزوّرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ثمة طريقة يمكن لوزارة الصحة من خلالها معرفة أنّ هذه النسبة حقيقية أم وهمية، خاصةً بعد كثرة الأحاديث عن عمليات شراء بطاقات اللقاح المضاد لفيروس كورونا، وعمليات التزوير الكبيرة التي تتم في سبيل الحصول على “الشهادة”.
فساد محسوب حسابه!
إذاً، فتح موضوع إجبار المواطنين على تلقّي اللقاح المضاد لفيروس كورونا باب فساد قد لا يكون من السهل إغلاقه؛ حيث وصف العديد من الخبراء القرار بأنّه ليس بريئاً من التوجه للفساد والرشاوى والتزوير، وهو ما اعتبره عضو الفريق الاستشاري المعني بالتصدّي لوباء كورونا، الدكتور نبوغ العوّا “محسوب حسابه” عند الإلزام الحكومي لتلقّيه.
وحسب تصريحات العوّا، فإنّ تناقل أخبار عن وجود البطاقات مدفوعة الثمن والشهادات المزورة يسيء إلى وزارة الصحة، كون إلزامية القرار بالحصول على الشهادة صادرة عنها، وبالتالي يجب التحقيق في الأمر على أرفع المستويات.
ولفت العوّا إلى نقطة مهمّة تتعلق بالمواطنين الملزمين بتلقّي اللقاح، وعلى وجه الخصوص المسافرين “حيث تحترم بقية الدول نفسها وتخاف على مواطنيها، وتسعى للوصول إلى نتائج حقيقية بالتطعيم لمواجهة الفيروس”، مشيراً إلى أن السؤال قبل الإلزام الحكومي كان باختيار نوعية اللقاج الآمن والأكثر إفادة من بين أنواع اللقاحات المتاحة، أمّا الآن فيتم السؤال عن نوعية اللقاح المرغوب به في الدول التي ستستضيف المسافرين السوريين”.
“بمعنى أو آخر، فإنّ وزارة الصحة ومعها الفريق الحكومي المعني بالتصدّي للجائجة، يتحملون المسؤولية ناحية التقصير في ترغيب وإقناع المواطنينن بتلقّي اللقاح”، حسب قول عضو الفريق الاستشاري المعني بالتصدّي لوباء كورونا، إذ أنّ الوزارة منذ البداية أخطأت في التعامل مع موضوع الجائحة وفرض الإجراءات الاحترازية الوقائية التي كان من الممكن أن تؤدي إلى عدم إهمال المواطنين للتعامل مع الفيروس، ولاحقاً مع اللقاح. تلك الإجراءات التي تغاضت عنها وزارة الصحة، وأهملها المواطنون، أدّت إلى مقاطعة اللقاح، ولو كان بشكل ضمني، حسب قول العوّا، وتحوّل الأمر بعد الإلزام إلى “شرّ لا بد منه في سبيل السفر”!.
اللقاحات في “المراحيض”!
ليس دفاعاً عن السوريين الخائفين من الموت “عاجلاً أم آجلاً”، ولكنها دعوة للجهات المعنية باتّخاذ ما يلزم للإقناع ومتابعة العملية “بكل نزاهة وشفافية”، وإذا كان الخوف من تناول اللقاح هو مشكلة عالمية تشهدها العديد من دول العالم المتطورة والمتخلفة على حد سواء، فإنّ الدعوة المقابلة له تكون عبر الطمأنة والترغيب، ومتابعة سير عملية التطعيم بما يضمن الوصول إلى أرقام حقيقية ونتائج فعالة لإعطاء اللقاح لا “رميه في المراحيض” بسبب الخوف منه كما يحصل في أغلب مراكز اللقاح بغية تمرير شهادات التطعيم لطالبيها.