هاشتاغ_نضال الخضري
تبدأ سردية المجتمع بوجوه عابرة تحاول الهروب من التفاصيل، ثم ترى صورة للمدينة التائهة على خطوط نار تلمع في السماء، فعندما أسمع ذلك الصوت من عمق السماء يستحضرني أكثر من حالة غضب أو هلع، لأن كل الذاكرة التي نختزنها لا تصل إلى حدود نسف الحدث الذي يرافقني، ويرافق البلد، منذ أكثر من سبع عقود، فـ “إسرائيل” هي عقدة التوازن التي تنفجر فجأة لتشعرني بأننا نقف على حد “إبرة” كنا نعتقد أنها للحياكة، لكننا نكتشف أنها تخلق كل التوتر الذي يسكننا.
التوازن على حد “إبرة” أو خنجر هي التي تجعل من صور الحروب مع “إسرائيل” تجليات لصعوبة احتمال قسوة الحد الأقصى، فالمفارقة التي نواجهها هي في مشهد العدو الذي يغيب، ويتم استبداله، ويتسلط في اللحظات التي يراها مناسبة، ونبقى على نفس القدر من المكابرة، وبأننا أكثر قدرة على تحمل الألم والحفاظ على التوازن المؤلم، بينما ننتقل من زمن إلى زمن جديد دون أن تتحول صورتنا تجاه أنفسنا.
استطاعت “إسرائيل” معرفة سوء الفهم في توازننا الداخلي، واجتازت منذ عام 1948 كل “همروجة” الصراع التي وضعناها أمام ظاهرة سياسية تتشكل، فدولة الاحتلال هي خلاصة رسم العالم وفق أزمنة القرن العشرين، بينما كان عالما مليئاً بأوهام الانتصار والقدرة على تجاوز العوالم الجديدة في النصف الأول من القرن الفائت.
لن يكون غريبا أن صورة “إسرائيل” لم تتغير في أذهاننا رغم كل الاضطراب الذي عاصرنا.. كنا غير قادرين على التوازن مع العالم الجديد لأن ثقافتنا كانت تتأرجح على حافة التراث بدلا من كسر الماضي وصناعة المستقبل، وكانت السياسة شكلا من الرهان على قدرتنا بالإقناع عوضا عن تبادل المصالح، وفي النهاية فإن قيمنا الاجتماعية لم تكن تقبل المساومة رغم أنها رسمت آلية صراعنا البائسة.
ما يؤلم ليس صوت الاعتداء، فما يجعل صوت الانفجارات حالة بؤس هو الاعتياد، والقدرة على خلق وهم جديد من بقايا ثقافة تخنقنا أو خطاب “يعاشرنا” لينجب أحلاما ممسوخة لا تستطيع القفز بنا إلى ما بعد الصراع.. نحن أسرى الاعتداء الذي يقدم صورة مختلفة لعالم من عدم التوازن نخلقه حول أنفسنا، وكأنه وهم يريحنا من الارتياب بكل قناعتنا.
عندما نستطيع خلق توازننا مع العالم المعاصر ستتحول صورة “إسرائيل” لتصبح شأنا عابرا؛ يغادرنا لأنه يصبح أعجز من أن يلعب على توازننا على حد “إبرة” تشعرنا بالوخز ونرفض التحول لتوازن آخر، ربما خلقت ثقافتنا الهزيمة، لكن الأخطر هو أننا غير قادرين على خلق ما هو أبعد من تلك الثقافة التي نتهمها دائما بعدم القدرة على التطور.
توازننا يعني أن نرسم من جديد سيمفونية مختلفة، ووجوه إناث تتجاوز أي صورة تقليدية، وربما ذكور موجودين في دائرة العدالة، فكلما اشتد الفقر والتسلط “الإسرائيلي”، زادت القدرة على ترتيب المستقبل رغم القسوة التي يرسمها يأسنا من الحاضر.
استيعاب العالم المتحول توازن، عدم اعتياد “الوجود الإسرائيلي” توازن.. وكذلك القفز إلى ثقافة جديدة توازن.
لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام