الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةتقارير وملفاتتحويلات المغتربين إلى سورية.. خلافات عائلية ومخاطر أمنية

تحويلات المغتربين إلى سورية.. خلافات عائلية ومخاطر أمنية

رغد البني – ألمانيا

قبل يومين فقط، سألت سيدة سورية مقيمة في أوروبا عن سعر صرف المئة يورو بالليرة السورية ضمن صفحة مغلقة خاصة بالسوريات في ألمانيا على الفيسبوك، أجبتها كغيري من المعلقات، ولم تكد تمضي الساعة حتى رأيت صوراً لأطفال معوقين على “الماسنجر” الخاص بي يرجونني لتقديم المساعدة، على افتراض أن إقامتي في ألمانيا كافية لأن أكون قادرة على المساعدة مالياً.

يردد السوريون في أوروبا فكرة تقول إن أقاربهم في سورية يعتقدون أنهم “يقطفون المال عن الشجر”، إذ لا تكاد تسأل عن سعر صرف الدولار ضمن صفحات السوريين المغتربين المغلقة، إلا وتصلك على الأقل 10 رسائل من أشخاص يقولون إنهم داخل سورية, ودخلوا مجموعات المغتربين علهم يجدون من يساعدهم في تدبر مصاريفهم اليومية، والأغلبية ينشرون صوراً تقشعر لها الأبدان عن أطفال معوقين، ومرضى، يقولون إنهم أبناءهم، ويزيد البعض في عرض تقارير طبية تثبت إعاقتهم، أو إرفاق “فيديو” في حال لزم الأمر للتأكد من سوء الحالة المعيشية.

البعض يبدي اهتمامه ويتواصل مع أصحاب العلاقة، لكن الأغلبية يشجعون بعضهم على اعتماد القاعدة المعروفة “الأقربون أولى بالمعروف” إذ لا يكاد بيت سوري في المغترب يخلو من فرد أو اثنين يرسلون أموالا شهرية لأهاليهم في سورية، التي صارت الحياة فيها براتب لا يتعدى 100 ألف ليرة بأحسن الأحوال أمر يقارب المستحيل.

خلافات تصل للطلاق

يكاد يكون وراء كل حوالة مالية تصل سورية، رحلة خلاف عائلي وخطر أمني. ولا يكاد يمر أسبوع دون أن تقرأ عن شكاوى تعرضها النساء غالبا على صفحات السوريات المغتربات المغلقة، حول مشاكل يواجهنها مع الأزواج أو الأهل بسبب الحوالات المالية، حيث يمنع الكثير من الرجال زوجاتهم من تقديم المساعدة لأهلهم في سورية، في حين أنهم يرسلون ما يقررونه لذويهم دون سؤال الزوجة، وذلك كون هؤلاء النسوة لا يعملن وأزواجهم يتكفلون بالمصروف.

تقول المغتربة عبير شاهين، إن زوجها يمنعها من مساعدة أهلها في سورية، لكنه يرسل شهرياً 200 يورو لأهله، بحجة أنها فتاة، وأنها غير ملزمة بمصروف أهلها أما هو فملزم بهم، وأضافت أن الخلافات بينهم بسبب موضوع الحوالات يكاد يصل للطلاق لأنها تشعر بالظلم، كما أن عائلتها وأولادها ليسوا مكتفين مادياً، وفي مرة هددها بالطلاق إن كررت طلب خفض قيمة ما يرسله إلى أهله.

وكذلك تشكو اللاجئة في ألمانيا ثناء النجاري من أن زوجها يحول لأهله شهريا 300 يورو” رغم أنهم ليسوا بحاجة” على حد قولها، وتضيف: “يعتقدون أن أموال البنوك الألمانية بين أيدينا علماً أن الراتب ينفد في 18 الشهر ونضطر للاستدانة بقية الشهر”. وتشير إلى “عفش” بيتها قديم، اشترته مستعملا، وأنها لا تحصل على أكثر من 50 يورو من زوجها كونه المعيل، وتقول: “والدتي في سورية أيضاً مريضة وتعيش في بيت مستأجر، ورغم ذلك لا أطلب منه أن يساعدها لأني أعلم أنه لن يفعل”.

أهالٍ يقاطعون أولادهم

تشظي الأسر السورية في أكثر من بلد، أوجدت مشاكل من نوع خاص، إذ لا تقتصر الخلافات ضمن أفراد العائلة الواحدة في ألمانيا، بل تتعداها لخلافات أخرى بين المغترب وأهله في سورية، فما يرسله المغتربون في أوروبا إلى أهاليهم في سورية يثير حفيظة الأهالي تجاه أبنائهم الآخرين المغتربين في دول ثانية مثل تركيا أو الأردن، والذين لا يستطيعون المساعدة ماليا.

تقول رشا العلبي، وهي مغتربة في شتوتغارت الألمانية، “كلما أرسلت حوالة لأهلي في سورية زاد غضبهم على أختي في تركيا لأنها لا ترسل, ووصل الحال لدرجة أن أمي قاطعت أختي لعدة أشهر”، وتوضح أن أختها لا تعمل، ولديها أولاد، والوضع في تركيا وليس كما في أوروبا.

لا يقتصر إرسال الحوالات على السوريين في سورية فحسب، بل يتعداها للأهل المقيمين في تركيا ممن يعيشون كذلك ضمن أوضاعاً اقتصادية غير جيدة.

تقول سحر ظاظا المقيمة أيضا في مقاطعة شتوتغارت: “تطلب مني أمي مساعدة إخوتي في تركيا، وصار لزاماً علي التحويل إلى سورية وتركيا معا، علماً أن أخوتي يعملون وليسوا بحاجة، وكوني لا أعمل أطلب من زوجي وهذا يسبب لي حرجاً كبيراً، لكن أمي تعتقد أن وضعي المادي هو الأفضل بين أخوتي كوني في أوروبا فقط”.

اللاجئة زهرة الراضي تقول إنها وكلما قررت تسديد ديونها، يكون الأهل في سورية أولى، وتضيف: “هذه المرة الثالثة التي أقرر فيها تسديد ديوني ويمنعني أهلي بالقول إنهم أولى”، معتقدين أن كل من في أوروبا غني. وتشير إلى أن لها أخاً في سورية لم يقدم لها ليرة في حياته علماً أنها كانت محتاجة ولا يتصل بها إلا كل ثلاث سنوات مرة واحدة، لكنها صارت الآن الغالية بعدما صار مشمولاً بحوالاتها المالية.

التحويل النظامي غير مغرٍ

لا تقتصر مشكلة الحوالات المالية على الخلافات التي تحدث داخل العائلة الواحدة في أوروبا وسوريا، بل تتعداها لمشاكل أخرى تتعلق بطرق إرسالها واستلامها، فالخطر يحوم حول كل أطراف الدائرة من المرسل صاحب الحوالة، إلى المستلم الأول في أوروبا، ووسيط التسليم, والمستلم النهائي, وبناء عليه ترتفع أجور التحويل وتصل إلى عشرة يورو على كل 100 يورو تؤخذ من المغترب، إضافة لعمولات إضافية أخرى يدفعها المستلم في سورية لشركات الصرافة إن كان التسليم عن طريقها، أو للأشخاص الطبيعيين ممن يعملون في السوق السوداء وينظمون مواعيد في شوارع سورية مع الأشخاص المستهدفين من الحوالة، ويتم التسليم بعد اقتطاع عمولة إضافية.

الإرسال عن طريق شركة التحويل “ويسترن يونيون” يُعد الأرخص، إذ تتقاضى عمولات منخفضة لا تتعدى أربعة يورو على كل مئة، ورغم ذلك فالتحويل عن طريقها قليل، إذ يتم تعويض انخفاض أجور التحويل بتسليم المبلغ بسعر العملات الأجنبية الواردة في نشرة مصرف سورية المركزي.
كل مئة يورو تحوّل عن طريق “ويسترن يونيون” تصل سورية بما يقارب 270 ألف ليرة سورية. أما شركات التحويل المالي فتقدم أسعاراً تقارب أسعار السوق السوداء، فالمئة يورو تصل إلى سورية 375 ألف سوري.

لكن الطريقة الأكثر إغراء ماليا هي التعامل مع سماسرة السوق السوداء الذين يعطون سعر السوق الحقيقي، وذلك رغم أن هذه الوسيلة تعتبر الأخطر بالنسبة للسمسار والمستلم معاً. وتتم عمليات التسليم بسرية كبيرة، ولا تذكر أصلا كلمة حوالة أثناء التواصل بين السمسار والمستلم وتستبدل بكلمة بما يفهم منها أنها حوالة.

حوالات من أشخاص متوفيين

أبو توفيق واحد من أكبر مستقبلي الحوالات في مقاطعة هامبورغ، يعمل بسرية كاملة ولا يعرفه إلا اللاجئون، يوضح أن العشرة يورو التي يتقاضاها على كل مئة يورو كعمولة تحويل، لا تساوي شيئاً مقابل الخطر الذي يعرض له نفسه إن اكتشفته السلطات الألمانية وحاكمته بتهمة التلاعب بالعملة الوطنية والتهرب من الضرائب، فأقل عقوبة يمكن أن يواجهها هي إلغاء الإقامة.

وكذلك فإن السماسرة في سورية والذين يأخذون عمولة اضافية معرضون للاعتقال في أية لحظة مهما بلغت درجة السرية التي يتعاملون بها.

وعن طريقة التحويل بصفة غير مباشرة، شرح أبو توفيق آلية التحويل بالقول: “عادة نستلم المبالغ في ألمانيا باليورو, ويتم تسليمهم في الداخل بالليرة السورية عن طريق شبكة طويلة تمتد من ألمانيا إلى إدلب وحلب والقامشلي، حيث تحرر في تلك المحافظات إيصالات بأسماء أشخاص وهميين أو متوفين بالتعاون مع شركات الصرافة، ويستلم أصحاب العلاقة في دمشق مثلا الحوالة دون أن يعرفوا اسم الشخص على الحوالة الموجهة لهم، فهم يعرفون أنها من ذويهم من ألمانيا ويعرفون المرسل بالضبط لكن يبقى الاسم على الوصل مجهولاً بالنسبة لهم. وليس اسم الشخص فحسب بل أيضاً مكان الإرسال حيث تستبدل أسماء الدول الأوروبية بمحافظات في الشمال السوري مثل حلب أو القامشلي أو محافظات أخرى في الشمال باستثناء إدلب.

ويؤكد أبو توفيق أن شركات الصرافة بدورها تعرف رحلة عمليات التحويل من أوروبا إلى الداخل بكل تفاصيلها، ولا تسأل مستلمي الحوالة عن أسماء مصدري حوالاتهم كونها تعلم أنهم لا يعرفون. ويقول المستلم فقط إن لدية حوالة ويرغب باستلامها، ويمنع عليه حسب التعليمات ذكر منشأ الحوالة الحقيقي في أوروبا حتى لا يثير الانتباه والشبهة أثناء الاستلام، وخاصة أنه يمنع على شركات الصرافات الداخلية ممارسة نشاطاتها خارج سوريا.

المرسل والمستلم في خطر

وليس خافياً أن الجهات المختصة في سورية أغلقت تباعاً عدداً من شركات صرافة جراء التعامل بهذه الطريقة. وحذر مصرف سورية المركزي السوريين من استلام مبالغ مالية محوّلة من الخارج عن طريق وسطاء يسلّمونها باليد.

وقال إن بعض هؤلاء الوسطاء يعملون ضمن شبكات موجودة ضمن مناطق خارجة عن سيطرة الدولة، وهو ما يؤدي إلى ربط الأشخاص الذين تسلموا الحوالات بأولئك المرسلين في مناطق شمال سورية، سواء لجهة ممارسة الصرافة غير المرخصة، أو لجهة الارتباط بمجموعات خارجة عن سلطة الدولة.

وتصل عقوبة من اكتشف أمرهم للحبس، إذ ينص المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2020 على عقوبات تصل إلى حد الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة، إلى جانب مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها أو المعادن الثمينة لصالح مصف سوريا المركزي.

ولا يقتصر الخطر على حلقة الاستلام والتسليم في سورية فقط، وإنما هناك مخاطر مماثلة على اللاجئ صاحب الحوالة والمستلم منه في أوروبا، لكن رغم ذلك يفضل المغترب التعامل مع السماسرة العرب والذين هم سوريون بمعظمهم في أوروبا، ويعملون غالبا في المحلات التجارية الخاصة ببيع الموبايلات والمواد الغذائية بصورة سرية. فهؤلاء لا يطلبون من المرسل أية بيانات شخصية تكشف هويتهم، أما التحويل عن طريق “ويسترن يونيون” فلا يتم إلا بإجراءات صارمة تكشف هوية المرسل والمستلم، وإن كانت هذه الوسيلة تحمي المستلم، إلا أنها تضر المرسل إن كان يقبض معونات في أوروبا من الحكومة، حيث يتم حرمانه من أية معونة كونه مكتفٍ ماليا ويرسل حوالات إلى سورية.

وإن كان المستلم في وضع أمني سليم في حال التسليم النظامي لكنه أيضاً لا يكون مسروراً بالمبلغ الذي يصله وفق السعر الرسمي، إذ أنه يقل بما يتراوح بين 100 إلى 150 ألف ليرة عن ذاك الذي يعرضه سماسرة السوق السوداء.

يختم أبو توفيق، وهو بداية الخيط في رحلة استلام وتسليم الحوالات في مقاطعة هامبورغ، “لو كانت الحكومة السورية أقرت التعامل بالسعر الحقيقي لكانت انقطعت أرزاقنا، لكن الناس سيكونون بالمقابل في وضع أمني وبعيدين عن المساءلة. ويؤكد أن أغلب من يحول عن طريقه يسأله عدة أسئلة حول عمليات التحويل لشدة الخوف على الأهل في سورية لكن لا يوجد طريقة أخرى.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة