هاشتاغ- رغد البني – ألمانيا
“..السؤال الوحيد الذي يتبادر إلى الذهن هو: كيف تنام ليلاً؟”.. سؤال وجهته النائبة الهولندية في البرلمان الأوروبي تاينكي سترايك لوزير الهجرة الدانماركي ماتياس تسفاي خلال استجواب لمناقشة سياسة اللجوء الدانماركي، بعد قرار الدانمارك ترحيل آلاف السوريين من بلادهم, باعتبار أن الوضع في سورية أصبح آمنا حسب السلطات الدانماركية.
انتشرت قصص مؤلمة عن ترحيل لاجئين سوريين من الدانمارك، انتقلت كالنار في الهشيم بين أبناء الجالية العربية في أوروبا، وأثارت الذعر في قلوبهم.
ومن أبرز هذه المشاهد هو ما نشره شاب سوري شهد نقل عائلة سورية إلى معسكرات الترحيل في الدانمارك تمهيداً لتسفيرهم إلى سورية، حيث أغمي على اللاجئة دلال حسين حينما دخلت عليها السلطات الدانماركية لترحيلها مع زوجها المسن سهيل محمد، متأثرة بانهيار ابنتيها أمام عينيها لدى سماعهم بخبر ترحيل والديهما، فيما بكى الابن الشاب بحرقة متأثراً بحال أمه قبل أن يتدخل الإسعاف لاحقاً وينقلها إلى المشفى وهي في حال يرثى له.
وقبل ذلك توفي اللاجئ السوري أكرم بطيش إثر أزمة قلبية بعد سحب
تصريح إقامته ومنحه شهرا واحداً لمغادرة الأراضي الدانماركية.
وتجاه هذه السياسة، هدد أعضاء البرلمان الأوروبي الدانمارك بسحبها من اتفاق دبلن كونها لا تفي بالتزاماتها تجاه اللاجئين السوريين على أراضيها الذين يقدر عددهم بنحو 40 ألف سوري، وقامت بتجريد نحو 100 لاجئ سوري من تصاريح إقاماتهم تمهيدا لإعادتهم إلى بلادهم، إضافة لإعادة النظر في ملفات 461 سوريا آخرين ممن كانوا يقيمون في العاصمة السورية دمشق على اعتبار أن “الوضع الراهن في دمشق لم يعد من شأنه تبرير منح الاقامات”، حسب وزير الهجرة الدنماركي راسموس ستوكلوند الذي قال: “إن لم تكن ملاحقا شخصياً.. لا توجد أعمال مرتبطة بالحرب في دمشق منذ سنوات الآن. ولهذا السبب يمكن للبعض العودة”.
الجرائم وزيارة سورية
وللعلم فإن ألمانيا لم تشهد حتى الآن حالات رفض إقامة لاجئ سوري، فحتى غير الحاصلين على حق اللجوء، يحق لهم إقامة حماية مؤقتة تجدد بصفة دورية، مالم يكون المتقدم بحق اللجوء حاصلاً على حق اللجوء في دولة أوروبية أخرى.
ولا تعتبر الجرائم فحسب مسببا وحيداً لسحب حق اللجوء في ألمانيا، بل إن السفر إلى سورية يعتبر سبباً كافيا للترحيل، وخاصة أن بعض السوريين يفاخرون بهذه الزيارة وبعضهم ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما فعل الشاب السوري نبيل داوود حيث كتب باللغة الألمانية على تويتر.”عدت تواً من عطلتي في سورية. من الجيد أن يروح المرء عن نفسه. كانت أياماً جميلة. وها أنا هنا الآن من جديد لأكافح ضد الحقد والكراهية.. لا لحزب البديل” .
وحزب البديل هو الحزب اليميني المتطرف في ألمانيا والذي يرفض سياسة استقبال اللاجئين. ليرد عليه الحساب الرسمي للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (بامف) على تويتر أيضا: “السفر إلى البلد الأصلي يمكن أن يمثل سبباً قوياً لإلغاء حق اللجوء. وهنا يتم أخذ وضع اللجوء أو الحماية بعين الاعتبار، يمكن سحب الاعتراف بالشخص كلاجئ عندما لا تعود أسباب منح حق اللجوء متوفرة”.
وأضاف المكتب: “لكن هناك أسباب تجعل السفر لمدة قصيرة إلى البلد الأصلي ممكناً. كالذهاب في رحلة سفر قصيرة من أجل الإيفاء بالتزامات أخلاقية، مثل المشاركة في جنازة أو زيارة فرد من العائلة يعاني من مرض خطير، “ومع ذلك، ليس من الممكن، إعطاء تصريح عام، لأنه يجب التحقق من أوضاع كل حالة على حده”.
وكذلك يستثنى من قرارات الترحيل أولئك الذين زاروا سورية ولكن لم يقدموا أصلاً على طلبات لجوء، وجميعهم سيدات سوريات حصلن على اقامة لم شمل بناء على طلبات أزواجهم باستقدامهم، فهؤلاء النسوة لا يحصلن بالأساس على معونات خاصة من الدولة ويعتبر أزواجهم ملزمين فيهن مادياً، وهن بالأصل لم يقدمن لألمانيا على أساس أنهن كنا في بلد حرب، بل على أساس أنهن زوجات يردن العيش مع أزواجهم. وتعتبر هذه الشريحة صاحبة الحظ الأوفر لجهة زيارة الأهل في سورية.
زيارة سورية تهريباً
بعض السوريين يلجؤون إلى خيار آخر، حيث يزورون سورية عن طريق التهريب. يسافرون إلى لبنان ويدخلون منه تهريباً إلى سورية حتى لا تختم السلطات اللبنانية على جوازات سفرهم، وتكشف السلطات الألمانية بالتالي أنهم كانوا في سورية.
ولكن الدخول إلى لبنان ليس متاحاً للجميع، فالذين خرجوا من سورية تهريباً وبطريقة غير نظامية يمنع عليهم الدخول إلى لبنان ما لم يكن على جوازتهم ختم خروج نظامي، كما لا تسقبل السلطات اللبنانية أي لاجئ من أوروبا لا يحمل مدة صلاحية على جواز سفره تصل إلى 6 أشهر على الأقل، وقد أعادت الكثيرين منهم إلى مطارات ألمانيا.
فاللاجئة فريال فضلون تقول إنها خرجت من سورية لأوروبا عن طريق تركيا تهريباً، ولما حاولت زيارة أهلها في سورية رفضت السلطات اللبنانية دخولها لأنها خرجت من سورية بطريقة غير نظامية وأعادتها بنفس النهار، لكنها كما تقول دخلت بعد فترة عن طريق إيران ومنها إلى سورية، وأن أختها كذلك دخلت سورية عن طريق العراق، حيث حجزت بشكل نظامي من مطار شتوتغارت إلى أربيل، ومنه تهريباً إلى سورية منعاً لختم جوازها.
وتزيد نسبة النساء اللواتي يدخلن سورية بأضعاف عن الرجال، وذلك كون أغلب من يدخلن هن ممن يحملن إقامات لم شمل، وهؤلاء ليس عليهن أي مانع من الدخول والخروج.
لكن المشكلة هي لدى اللاجئين المشمولين بحق اللجوء والذين يدخلون سورية تهريباً وتكشفهم السلطات الألمانية لاحقاً.
تقول اللاجئة منذ سبع سنوات في هامبورغ غصون الذهبي إن اللاجئين الذين يزورون سورية يضرون بغيرهم ويوحون بأن وضع سورية بخير ولا داعي لبقاء اللاجئين في ألمانيا وتقول: “من يشتاق لأهله فليذهب لكن دون عودة، ولكن كان الأحرى به أن لا يخرج أبدا لأنه أخذ مكان آخر قد يكون فعلا بحاجة للجوء”.
فيما يكشف اللاجئ في هامبورغ أوكسان عيسى أن دائرة العمل قطعت المساعدات عنه بعدما زار سورية بغرض زيارة أمه التي كانت على فراش الموت، فسحبت منه إقامة اللجوء وأعطته إقامة تسمى منع ترحيل مؤقت باعتبار أن لا خطر عليه في بلده، أي أنه على قائمة المرحلين بأقرب فرصة. ولذلك فإن بعض اللاجئين ممن دخلوا سورية بطريقة نظامية وختمت السلطات السورية على جوازتهم، مزقوا هذه الجوازات قبل وصولهم للأراضي الألمانية ثم تقدموا ببلاغات لدى الشرطة الألمانية عن فقدان جوازات سفرهم السورية.
خطر زيارة السفارة السورية
ولا يعتبر وطأ أرض سورية فقط مبرراً لسحب اللجوء، بل إن زيارة السفارة السورية في برلين بغرض تجديد الجوازات هو بحد ذاته معاناة يعيشها اللاجئ، فالسلطات الألمانية تطلب من الكثيرين تجديد جوازات سفرهم السورية، لكنها من ناحية ثانية تحاسبهم لاحقاً على دخول السفارة السورية والتي تعتبر أرضاً سورية على الأراضي الألمانية ودخولها يعني أنه لا خطر على اللاجئ.
أما الحاصلين على إقامات لم الشمل والحماية المؤقتة، فلا مانع عليهم من دخول سورية ما لم تزد مدة الزيارة عن ستة أشهر كونهم غير مشمولين بحقوق اللاجئ أصلاً، لكن رغم ذلك فإن الحاصلين على إقامة الحماية المؤقتة يخشون زيارة السفارة لأن زيارتها يعني فقدان كل أملهم بالحصول مستقبلا على حق اللجوء.
وتبقى المشكلة محصورة بأولئك الحاصلين على حق اللجوء، حيث أعطت المادة 72 من قانون اللجوء، الحق للدوائر المختصة، بسحب إقامة اللجوء من الحاصل عليها، إذا ما تبين لهم أنه راجع سفارة بلده، أو ذهب إلى بلده، وعاد مجدداً، باعتبار أن من يستطيع دخول الأراضي السورية يكون قد خدع السلطات الأمنية ولا خطر عليه في بلده.
وتستبدل إقامات هؤلاء بوثيقة وقف الترحيل، تمهيداً لترحيلهم حال تصنيف سوريا كدولة آمنة.
عقبات الترحيل
لكن، وضمن الوضع الحالي، فإن ترحيل السوريين في ألمانيا إلى بلادهم ليس سهلاً كما الدانمارك، وحتى أولئك الذين زاروا سورية، سحبت إقامتهم وقطعت المساعدات عنهم وهم يعيشون أسوأ الظروف، لكن لم تتم أي حالة ترحيل فعلية لواحد منهم، والسبب هو أنه لا توجد صلة تواصل مباشرة بين ألمانيا والحكومة السورية، ولا يمكن بناء عليه تنسيق عودة السوريين.
وفي هذا الصدد يقول وزير الداخلية المحلي لولاية بادن- فورتمبرغ، “توماس شتروبل”: هناك عقبات كبيرة أمام ترحيل لاجئين مرفوضين إلى سورية منها توفر مناطق آمنة، فحتى دمشق لم تصنف بعد كمحافظة آمنة بعين السلطات الألمانية، فيما اقترح النائب في البرلمان الألماني ثورستن فراي التحقق مما إذا كانت المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شمالي سورية مكانًا مناسبًا لترحيل مرتكبي الجرائم من اللاجئين السوريين.
وضمن هذا الواقع، يتأسف سوريون على وفاة أهاليهم في سورية دون أن يتمكنوا من حضور عزائهم أو الوقوف معهم في حالات مرضهم.
يقول لؤي الجزائرلي إنه حجز إلى الأردن ليرى والدته التي تحتضر في سورية ويدخل منها تهريباً إلى درعا، لكن الأردن أعادته من المطار ولم تسمح له بدخول أراضيها، وهو لا يمكن له الدخول بشكل نظامي إلى بلده، لأن السلطات الألمانية قد تعتبر أن عذره ليس وجيهاً بما فيه الكفاية ليزور بلده.
في حين أن هناك لاجئين يجدون حلولاً وسطاُ حتى لا يفقدوا إقامتهم في أوروبا, ولا يحرموا من زيارة أهلهم في سورية وهي دعوة أهاليهم إلى لبنان أو الأردن أو تركيا بغرض اللقاء بهم في تلك البلدان، رغم أن هذه الطريقة تعتبر مكلفة للغاية بسبب أجور الحجز الفندقي والسفر، وتبقى هناك استثناءات لسوريين زاروا بلادهم دون مشاكل بسبب تفهم موظفين في دوائر الهجرة الألمانية لوضعهم، كأن يتمكنوا من إثبات أن أهلهم كانوا على فراش الموت وأن الزيارة لم تتعدى الثلاثة أيام، لكن القاعدة العامة هي التشدد في المنع.