الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةكلام الناسالبحث العلمي بين كوكبين : في الصين "فلسفة" وفي سوريا تدريس وتصحيح...

البحث العلمي بين كوكبين : في الصين “فلسفة” وفي سوريا تدريس وتصحيح ومراقبة

هاشتاغ- لجين سليمان (الصين)

لم تكترث “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي” أو ربما لم تنتبه إلى أنّ حاملي الشهادات العليا الذين أتمّوا دراستهم في الخارج وعادوا يخدمون “الوطن” بـ “العلم” الذي حصلوا عليه تحولوا إلى مدرسين لا باحثين وذلك منذ عبورهم الحدود ومباشرتهم العمل تحت “سقف الوطن”، إذ يغرق الباحث بعملية التدريس وتصحيح الأوراق الامتحانية، بدلا من أن يغرق في البحث العلمي ويعمل على تطوير فكرة معينة لجعلها قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

يحمل الأمر في طيّاته معان كثيرة، أوّلها أنّ الدراسة في الجامعات السورية لم تتجاوز المراحل الأولى من أساسيات التعليم، وهو ما يعني غياب البحث الحقيقي على الرغم من وجود درجات “ماستر” و “دكتوراه” تُعطى بكثافة وبشكل دوري.

أما المعنى الثاني لذلك، فهو أنّ العمل البحثيّ بات هامشيا بالمقارنة مع مهمة التدريس والتي تتضمن إعطاء محاضرات ووضع أسئلة امتحانية، لينتهي الفصل الدراسي بمراقبة الطلاب خلال الامتحانات، هذا فضلا عن الوقت القصير للفصل الدراسي والذي يتخلّله عمليات امتحانية أكثر مما يحتويه من محاضرات، وحتى في تلك المحاضرات بوقتها القصير يبقى شبح الامتحان بصعوبة الأسئلة الامتحانية حاضرا وذلك تطبيقا لمقولة “عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان” وكأنّ الهدف الأسمى للطالب هو تجاوز الامتحانات وليس التحصيل العلمي.

ومن هنا فإنّ المقارنة تكاد تكون مستحيلة بين جامعات تكتفي بتدريس أساسيات العلم فقط وأخرى تبحث للوصول إلى أعلى درجات العلوم والمعرفة بحيث يتمكّن الباحث من فلسفة العلم ليطبقها في الجانب العملي، فعندما يحصل الباحث على شهادته الجامعية في الدول المتقدمة تكون الشهادة تحت مسّمى “دكتور في فلسفة الاختصاص” بدلاً من “حرف الدال ونقطة قبل الاسم” لأ ن العلم هو مفهوم فلسفي وفكري قابل للتطبيق وليس مجرد لقب.

وفي الحقيقة الفرق ليس فقط بين سوريا والصين في البحث العلمي، إنما فرق بين دول عالم متخلفة وأخرى متقدّمة، دول تظنّ أنها لم تصل إلى مستوى مطلوب من جودة البحث و تسعي دائما للتطوير وأخرى تدعّي أنها وصلت إلى درجة عالية في التصنيف العالمي للجامعات لأنها بدأت بوضع “صورة الأستاذ الجامعي” على موقع الجامعة وكأنّ النقص في البحث العلمي لدينا شكليّ وأما الجوهر فهو موجود.

وبعيدا عن وهم الانتصارات في البحث العلمي الذي تظنّ الجامعات السورية أنها تحرزه، ولنعد إلى الصين ليس من باب المقارنة وإنما من باب تسليط الضوء على تجربة تستحقّ الإضاءة عليها. تتضمّن مرحلة الدكتوراه في الصين عددا من المواد الدراسية والتي لا يتمّ اختبارها على الطريقة السورية من خلال امتحانات ومراقبات وعلامات، بل يُعدّ الطالب الواصل إلى مرحلة الدكتوراه باحثا من المفترض تقييمه بشكل علمي ومنطقي بغضّ النظر عن الدرجة التي سينالها، وحتى في المواد التي تتضمّن امتحانات لا يكون هدف الامتحان العلامة بقدر ما يكون الإحاطة بالمادة.

وأمّا في مجال العلوم التطبيقية فغالبا ما يتمّ التعاقد مع شركات بحيث يكون للبحث العلميّ وظيفة تطبيقية، وحتى في مجال العلوم الاجتماعية التي تعدّ نظرية إلى حد ما يتمّ الربط بين هذه المشاريع الاجتماعية والمشاكل القائمة في المجتمع كي يكون لها وظيفة تطبيقية.

ووفقات لتقرير المؤسسة الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية فإنّ الصين حازت على المرتبة الأولى من حيث عدد المقالات المنشورة عام 2018 إذ وصل العدد إلى مليونين و500 ألف مقال، متفوّقة في ذلك على الولايات المتحدة الأمريكي. إلا أنه وحتى اللحظة وعلى الرغم من التقدّم الكبير الذي وصلت إليه الصين في مجال البحث العلمي، ، بدأت بالتركيز على الجودة مقابل العدد، لرفع المستوى العلمي.

وإذا عدنا إلى واقع الجامعات في سوريا، فمن غير الممكن ذكر كلمة “بحث” في جغرافيا يسودها التلقين، إذ لا مجال للتفكير، لأنّ الوصول إلى استتناج مخالف لما يجب الوصول إليه سيكون أمرا غير مريح للكثيرين، ولذلك من الطبيعي أن يتحوّل البحث بكلّ أهميته إلى مفردة صوريّة، شأنها شأن باقي شكليات الحياة، وعلى العكس من دول العالم كافة، حيث البحث هو عملية مضنية، وبالطبع فإنّ اللوم لا يقع على أساتذة الجامعة بل على النظام العام الذي جعل من التلقين طبيعة تعتمد عليها مناهجنا منذ نعومة أظافرنا عندما كان يُطلب منا أن نصدّق أن “شبه المنحرف” هو “مربع” لمجرد أن الآنسة أخطأت التسمية وحملت العصا لمن عصى وخالفها الرأي.

مقالات ذات صلة