هاشتاغ_باسم المحمد
في نظرة سريعة على سوق العمل يتبين أنه يعاني من عدم الاستقرار بسبب ضعف مستويات الأجور مقارنة بمتطلبات المعيشة والأسعار، وهذا ما يدفع طالبي العمل إلى المثابرة على البحث عن فرص عمل تؤمن لهم ولأسرهم الاحتياجات الأساسية، وتالياً عدم الثبات في مكان معين.
ليعاني القطاع العام بالدرجة الأولى من نزوح خبراته وكفاءاته إلى القطاع الخاص والهجرة بسبب عدم تلبية الأجور والرواتب فيه لأبسط مقومات المعيشة، وكذلك الحال في القطاع الخاص الذي تزيد الدخول فيه عنها في القطاع العام لكنها أيضا لا تكفي بسبب آثار الأزمة والعقوبات التي أدت إلى عدم الاستقرار في بيئة الاستثمار والعمل وعدم وجود قوانين تلزم لضمان حقوق العاملين فيه، وهذا بدوره يشعر العاملين فيه بعدم الشعور بالولاء، ويبدون استعدادهم لترك العمل لصالح منشآت تعطي أجوراً أعلى.
ارتفعت نسب البطالة في سنوات الأزمة الأولى إلى مستويات قياسية وصلت ٤٨.٥% عام ٢٠١٥ لتنخفض بعدها، لكن مع بقاءها عالية تزيد على ٣١% عام ٢٠١٩ و الرقم الوحيد الذي حصلنا عليه من المكتب المركزي للإحصاء أن النسبة حاليا تزيد قليلا على ٢١% بعد تواصلنا معه لمعرفة تركيبة هذه النسبة حسب مستويات التعليم لكن لم نحصل على الأرقام.
أصحاب المهن
ويبقى أصحاب المهن والحرف في وضع أفضل نسبيا مقارنة بالعاملين بدخل ثابت في القطاعين العام والخاص رغم أن عملهم يتسم بعدم الاستقرار ما يجعلهم عرضة للبقاء من دون عمل لفترات طويلة و هذا ما يدفعهم لرفع أجورهم.
يقول محمود الذي يعمل في مجال تمديدات الكهرباء إنه قد يبقى لأيام طويلة بلا عمل بسبب قلة الطلب على التمديدات الجديدة أو حتى التحسينات الكهربائية في المنازل والمنشآت إلا في الحالات الطارئة نظرا للظروف الاقتصادية التي يعاني منها الجميع، وهذا حال أبو نضال “سمكري” حيث بين أن عمله مرتبط بإصلاح الأعطال الطارئة لقلة ورش البناء حاليا، لكنه أكد عدم قبوله لأي عمل بأجر ثابت بسبب عدم الاستقرار في الأسعار واستغلال أصحاب العمل لعمالهم ورفضهم لرفع الأجور رغم رفعهم لأسعار منتجاتهم وخدماتهم .
الخاسر الأكبر
ولعل الخاسر الأكبر خلال الظروف الحالية هم حملة الشهادات الجامعية والعليا وحتى المعاهد، حيث يقول خالد الحاصل على شهادة جامعية في الهندسة إنه نادم على السنوات التي قضاها في دراسته، فهو مجبر الآن على العمل في وظيفة لا يحقق دخلها الثابت أدنى متطلبات حاجاته الشخصية فكيف الحال إذا ما أقدم على مشروع الزواج؟
وأضاف، أن وقته مستهلك تماماً في العمل، لأنه اضطر للالتزام بعمل في شركة مقاولات بأجر ٤٠٠ ألف ليرة شهريا، إلا أنها غير كافية أيضاً لأنه يدفع ٣٠٠٠ ليرة وسطيا للتنقل بين عمله في دمشق ومنزل ذويه في معربا، وساعات العمل الطويلة من ٩ صباحا حتى الخامسة مساء تتطلب وجبة طعام.
فيما يتمنى محمود الحاصل على شهادة معهد متوسط لو أنه وفر سنوات دراسته وأتقن مهنة تجنبه الديون المتراكمة عليه، والتي دفعته للعمل على بسطة للمشروبات والدخان بعد وظيفته في القطاع العام.
أما بشار الحاصل على شهادة الماجستير فقد بين أنه لا يجد فرصة عمل تضمن له دخلا وتتناسب مع مستواه التعليمي في نفس الوقت فقد حاول العمل كسائق تكسي لكنه فشل في التعامل مع هذه المهنة التي تحتاج كل شيء إلا الخبرات التعليمية.
صعوبات
الخبير الإداري إياس الحمدان قال لـ” هاشتاغ” إنه من خلال تحليل سوق العمل وهيكليته، نجد أن أصحاب العمل يواجهون صعوبات في تأمين كوادر عمل جديدة، فهناك قلة في خبرة العمل لاسيما في القطاع التقني وهو السائد إقليميا وعالميا، خاصة بعد ظهور مفاهيم إدارية جديدة مثل إنترنت الأشياء “internet of things ” وبلوك تشين ” block chain ” والذكاء الصناعي رغم وجود بعض الاختصاصات التقنية لكنها تعاني من نقص الخبرات العملية.
وكذلك ظروف الأزمة التي أدت إلى هجرة الكثير من الخبرات والظروف الإجتماعية المتعلقة بطبيعة عمل الإناث في حالات الزواج، كما يوجد نقص في المهارات الناعمة “soft skills” المرتبطة بمهارات التواصل والتفاوض والاستقبال وعدم كفاءة الموظفين في مجال اللغات وخاصة الإنكليزية التي أصبحت لغة عالم الأعمال.
وهذا ما يجعل سوق العمل يعاني من الخلل بين طلب الشركات التي تعاني أصلاً من تداعيات الأزمة والعقوبات، وعرض طالبي العمل الذين لا يجدون الدخل الكافي وفي نفس الوقت يفتقدون للكثير من المهارات الضرورية .
مقترحات
وقدم الحمدان عدد من المقترحات لضبط سوق العمل وزيادة كفاءة قواه مثل القيام بوضع برامج تدريب طويلة الأمد من شأنها تعزيز المهارات الأساسية و”الناعمة”، والاهتمام بوضع خطط تدريب في قطاع السياحة والفندقة والمطاعم لأنه قطاع مهم للدخل القومي لكنه مهمل ربما بسبب الأزمة.
إضافة إلى قطاعات التجميل والمقاولات وغيرها التي تحتاج إلى برامج تأهيل متخصصة لزيادة كفاءة العاملين فيه وقدرتهم على تلبية متطلبات سوق العمل بدلا من الاعتماد على الوراثة أو اكتساب الخبرات من دون أسس علمية، إضافة إلى الاهتمام بالبرمجيات والتقنيات واللغات حيث باتت معظم الأعمال تعتمد عليها حالياً.