هاشتاغ_نضال الخضري
تسبح الأرقام في متاهة كآبة اللون الاقتصادي، فإذا ما صفعنا مؤشر التضخم استفقنا على تلك الفوضى التي تخلفها البيانات في وجوهنا.
فنحن ومساحة الأرقام ذاكرة لتصريحات وبيانات لا يعنينا منها سوى الاقتناع بأننا عالقون في أزماتنا المالية، ولا يبقى منها سوى تصورات بأن البشرية التي أوجدت الرقم هي بذاتها رقم وسط التصريحات التي تعبث بعقولنا من خلال الجداول.
المفارقة في الأرقام أنها تذهب بنا بعيداً عن قدرة البشرية على الإحصاء، وعجزها عن تفكيك لغز واحد يعصف بسوري تصفعه المؤشرات الرقمية في غفلة من زمنه المر، فيستيقظ على كوابيس الحكماء بنهاية الزمن الصعب، وبوعود الشخص المنتظر الذي تجمع الروايات التراثية أنه بداية النهاية لعالم تقتله سرديات الخلاص، ومجتمع ينمو على حكايات عن قوة خارقة تتدخل في لحظة فتحسم صراع الخير والشر.
لكن مشكلتنا ربما تكون أبعد من شر نعتقد أنه يسحقنا وخير ننتظره مع مخلص يطيح بالأرقام، وينقذنا من حمّى البيانات التي تحاصرنا في كل لحظة تمر علينا.
فشيطنة الرقم ربما كانت نوعا من ابتداع الكره للتفكير بأن الخلاص لا تصنعه فوضى المعطيات التي يرميها البعض أمامنا، إنما ببناء صداقة مع الرقم بتحميله وجها بشريا مختلفا.
فعندما ظهر الرقم كان حلا وليس إشكالية، وعندما بدأت البيانات بالتراكم عبر الزمن أصبحت كنزا لفهم حركة العالم المستمرة.
الأرقام إنسانية بطبعها.. هي تصورنا للوجود.. وعندما نبحث عن مخلص تصبح كابوسا لأننا نهرب إلى وهم وجود آخر يتحمل معاناتنا أكثر من أنفسنا..
وكوابيس الأرقام تخلقه البيانات الصماء التي تتحول لغاية فريدة في إبراز قدرة من يتلوها على المتابعة، ومساحة ذكائه في تجميع كل مأساتنا بمصفوفة لا تنطبق عليها قواعد الرياضيات، وتغرقنا بإشارات التعجب والاستفهام ثم تفتح بابا لا نرى منه سوى تراكب المظلمات، فنعود للمخلص ونستجدي أوهامنا كي تكتب رواية انتصار لا يحدث سوى في مساحة اليأس.
أنسنة الرقم ظهرت في لحظة ظهوره مرافقا لوجود بشري مركب.. وأنسنة البيانات كونتها ثورة المعلومات عندما كانت تبحث عن “السلوكيات” من خلال الرقم.
أما كابوس الأرقام فهو اختراع خاص بزمن سوري لنقنع أنفسنا بأننا على عتبة ظهور المخلص، فهي لا يمكن أن تدخل ضمن أي معادلة لتخلق نموذجا، إنما مجرد حالة طارئة لإشكاليات في طرق تفكيرنا بما نعانيه، فلا الذكاء الصنعي (Artificial Intelligence) جزء من حالة تجميع الرقم ولا تعلم الآلة (Machine learning) يدخل ضمن التفكير بالبيانات التي نجمعها.
الخلاص طريقة تفكير والأرقام ثقافة مختلفة والذكاء الصنعي ليس مخلصا بل أسلوب نظر لمعاناتنا، ولإشكاليات تطبق علينا وكأنه قدر لا فكاك منه، وعندما نكسر حاجز البحث عن “فكرة خارقة” أو بطل يتجاوز الإنسانية ليصبح نبي عصره عندها فقط يعود الرقم لإنسانيته فيفتح مساحة لوجود أقل فظاظة مما يواجهنا الآن.