الأربعاء, أكتوبر 30, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةتقارير وملفاتنظام الضرائب النوعية.. إلى متى؟

نظام الضرائب النوعية.. إلى متى؟

هاشتاغ _ *حسين القاضي

‏كانت الضريبة تأريخيا ً تهدف إلى جمع ما أمكن من الأموال لتمويل نفقات الحكومة. ‏لذا كانت أنواع الضرائب كثيرة ومتعددة ومستقلة عن بعضها البعض، ولهذا تسمى نوعية.

استدعى ذلك لاحقا تسميات مختلفة منها ضرائب على الرؤوس؛ يعني على الأشخاص، ومنها ضرائب على الحيوانات المملوكة، ومنها ضرائب على الإنتاج، ومنها ضرائب أو رسوم جمركية على عبور حدود الدولة أو عبور حدود المدن أو الولايات.

هناك أيضا ضرائب على رأس المال كالأراضي المملوكة أو العقارات أو المساكن أو الآلات أو السيارات، وهناك ضرائب على الدخل بأنواعه المختلفة؛ كالدخل الناتج عن الإيجار أو الدخل الناتج عن العمل؛ يعني ضريبة رواتب وأجور، أو الدخل العائد لرأس المال، أو الدخل الناتج عن العمل التجاري أو الصناعي، أو الدخل الناتج عن نشاطات شركات التأمين.

كما أن هناك دخل الناجم عن الإنتاج الزراعي النباتي أو الحيواني، أو الدخل الناتج عن تشغيل سيارة تكسي أو باص أو شاحنة سواء تحقق الدخل داخل البلاد أو في الخارج .

يُستخدم مصطلح الدخل للتعبير عن الريع العائد للملكية العقارية، بإلإضافة إلى الربح الناتج عن العمل التجاري أو الصناعي أو الزراعي أو الخدمي .

ويُعرّف الدخل على أنه الزيادة في الثروة بصورة عامة، وهو التعريف العام المعروف في علم الاقتصاد والمعتمد لدى معظم دول العالم .

إلا أنه يجري التمييز بين الدخل أو الربح العادي الذي يتحقق في البيع، والدخل الرأسمالي الناتج عن ارتفاع الأسعار.

ومن المتفق عليه، أن الضريبة على رأس المال قد تلاشت ولا تمثل مصدرًا مهمًا من مصادر الضريبة، وقد صارت الأنظمة الضريبية في معظم دول العالم تعتمد على ضريبة الدخل، الذي يتجدد باستمرار، وصارت القاعدة الذهبية، هي أن الضريبة تقع على الدخل ولا تتناول رأس المال بأي حال من الأحوال.

ومع ذلك؛ فإننا نجد في الضريبة على الدخل نوعين من الضرائب؛ النوع الأول: وهو الضريبة النوعية على الدخل الذي يجعل الضريبة تختلف بحسب النشاط الاقتصادي الذي يولد الدخل.

أما النوع الثاني: فهو الضريبة على مجمل الدخل، الذي يجمع أنواع الدخول التي يحققها المكلف لتشمل دخلًا واحدًا يخضع لضريبة واحدة، وهو النظام الذي اتبعته الدول المتقدمة اقتصاديا.

وصل الأمر في بعض الأنظمة النوعية المتخلفة إلى تمييز الدخول بين الدخل المحدود والدخل المعتاد .

ويمكن القول إن أهم المشكلات التي تسببها أنظمة الضرائب النوعية ما يلي :

1- خوف المستثمرين ورجال الأعمال من العمل أو الاستثمار لأن ذلك من شأنه أن يخضعهم إلى ضرائب نوعية كثيرة وقد تؤدي إلى إفلاسهم.

كما تتطلب منهم صرف المزيد من الوقت لتفهم مقتضيات نظام الضرائب النوعية و مراجعة كل نوع من أنواع الضرائب مع دائرة ضريبية مختصة، وهذا قد يؤدي إلى صرف معظم الوقت في الدوائر الضريبية على حساب العمل الأساسي.

ولا شك أن هذا الخوف يؤدي إلى وجود أزمة ثقة بين المكلفين والعاملين في الدوائر الضريبة المختلفة، مما يؤدي في النهاية إلى عزوف المستثمرين ورجال الأعمال عن النشاط الاقتصادي.

كما يؤدي إلى هجرة رؤوس الأموال والخبرات إلى خارج البلاد بحثا عن فرص أخرى، وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة جماهير الفقراء وتفشي البطالة وتحمل الدولة أعباء إضافية لدعم ذوي الدخل المحدود عن طريق تخفيض أسعار الخبز مثلا أو تخفيض أسعار مصادر الطاقة، وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة العجز في موازنة الدولة .

وقد تعمد الدولة إلى تقديم معونات نقدية وليست عينية، مما يبقي نظام الأسعار حراً ويتمكن معه ذوي الدخل المحدود من الحصول على حاجاتهم الأساسية لبقائهم على قيد الحياة.

وقد تقدم مساعدات نقدية للباحثين عن العمل، وقد تقدم المساعدة للأطفال وغيرها الكثير من المساعدات التي تقدم نقدا في معظم دول العالم .

وتعد المساعدات التي تقدمها الدولة من أهم أسباب التضخم وما يرافقه من ارتفاع في الأسعار وتراجع في مستوى المعيشة لغالبية المواطنين، ولذلك صار خبراء الضرائب والكثير من السياسيين ينظرون إلى الضريبة كسلاح ذو حدين :

– فمن جهة تهدف إلى تجميع بعض الاموال للوفاء بنفقات الحكومة .

– وهي من جهة أخرى تهدف إلى تحفيز المستثمرين ورجال الأعمال لجلب أموالهم من الخارج و الاستثمار داخل الدولة، ومن باب أولى الإبقاء على أموال المواطنين داخل البلاد بهدف الاستثمار وزيادة الإنتاج و الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الدخل الفردي وزيادة فرص العمل ومحاربة الفقر الذي يسيطر على أعداد كبيرة من المواطنين .

لذلك تتجه كافة دول العالم باستمرار نحو التخلص من الضرائب النوعية على رأس المال والتركيز على الضريبة على الدخل، إذ أن الدخل يتجدد، أما الثروة فهي لا تتجدد، وإن الضريبة على الثروة تؤدي إلى فنائها، فليس من المستحسن فرض ضريبة على العقار بل تفرض الضريبة على الإيجار الناجم عن تأجير العقار.

وكذلك يمكن فرض ضريبة رأسمالية على المكاسب غير المحققة الناجمة عن ارتفاع سعر ذلك العقار.

ويكتفى بضريبة رمزية لتغطية الخدمات الحكومية التي تعود على هذا العقار كالنظافة والطرقات والحراسة. كما لا تفرض ضريبة على تملك السيارة بل تفرض الضريبة على الدخل الذي تحققه تلك السيارة. وقد تفرض ضريبة لصيانة الطريق الذي تعبره السيارة.

ولا شك أن إعفاء رأس المال أو الثروة من الضريبة يجعل المستثمرين يميلون إلى بقاء ثرواتهم في البلاد وعدم التفكير بنقل أموالهم إلى الخارج.

إلا أن نظم الضرائب النوعية على الدخل تميز بين الدخول بحسب النشاط الاقتصادي الذي أنتج الدخل، فقد يكون المكلف موظفًا فيخضع لضريبة الرواتب والأجور وفق معدلات معينة تتصاعد بحسب قيمة الراتب.

وقد يعمل هذا الموظف على تكسي خارج أوقات الدوام، هنا يخضع إلى ضريبة أخرى؛ إذا لم يكن يتقاضى راتبًا بل يأخذ جزءا من غلة السيارة فإن هذه الغلة تمثل ربحًا.

وقد يؤجر هذا المكلف بيتًا يملكه ويخضع لضريبة الإيجار، وقد يحقق دخلًا نتيجة إيداع مبلغ من المال في البنك مقابل فائدة أو مرابحة.

لذلك فإن هذا المكلف يضطر إلى تقديم العديد من البيانات الضريبية التي تختلف معدلاتها وإجراءاتها وتصاعدها وتوقيتها.

على أن التطوير الأهم تمثل في إلغاء الضريبة النوعية على الدخول وتوحيدها في ضريبة على مجمل الدخل مهما كانت مصادره. وقد أنجزت هذه المرحلة ٧٢ دولة من دول العالم الأكثر تقدمًا.

2- التعقيد:

كل ضريبة لها قانون أساسي وقوانين معدلة أو فرعيه ومعدلات وتصاعد وهذا ما يجعل الإلمام بأي ضريبة معينة يحتاج إلى تخصص، مما يؤدي إلى تضخم الجهاز الاداري ويجعل القيمة الصافية للعوائد الضريبية أقل .

ويؤدي هذا التعقيد إلى جعل مهمة المكلف دافع الضريبة أكثر صعوبة . وتجعل هذا المكلف مضطرا لتكليف مختصين بكل نوع من الضرائب، وهذا يضعف جدوى الإستثمار من أساسه، وتكون الطريقة المتاحة هي لجوئه إلى موظفي الإدارة الضريبية اللذين يكون عليهم القيام بوظيفة الخصم والحكم في آن معًا.

3-تسرب الفساد إلى النظام الضريبي:

يبحث العاملون في الإدارة الضريبية عن دخول إضافية غير رواتبهم من خلال تسوية أمور المكلفين دافعي الضريبة.

هذه الدخول الطفيلية التي قد تزيد أحيانا عن حصة خزينة الدولة، وتجعل المكلف غير مطمئن عن علاقته بالدوائر الضريبية فهو خاضع للابتزاز ومجبر على مخالفة القانون ، بحيث إذا تم الكشف عن المخالفات في المستقبل قد يتعرض للإفلاس.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

بالإضافة إلى التكاليف الإضافية التي تذهب إلى جيوب الفاسدين. ولا يخفى أن هذه الممارسات تسهم في إشاعة ثقافة الفساد في المجتمع وتؤثر في المنظومة الأخلاقية على المدى البعيد.

ويؤدي ذلك إلى البحث عن حماية قانونية كاللجوء إلى شريك حماية يتقاضى حصة من الأرباح مقابل استخدام نفوذه لحماية الاستثمار الأساسي، وهذا يعقد النظام الاقتصادي ويستبعد التنافسية الضرورية لبناء اقتصاد سليم.

4- البعد عن العدالة الضريبية:

علنا نفترض أن مكلفا يعمل موظفا بإحدى المؤسسات و يتقاضى راتبا 100,000 ليرة شهريا وهو يدفع ضريبة بمعدل 20% تقتطع عليه من الشركة بموجب كشف الرواتب الشهري الذي يرسل إلى ضريبة الرواتب و الأجور حيث يقطع عليه 20,000 ويقبض 80,000 شهريا أي 960,000 سنويا ويدفع ضريبة 240000 .

هذا الموظف يمتلك تكسي ويعمل عليها مساء كما يدفع ضريبة تكسي 200,000 سنويا ويحقق دخل صافي بعد مصاريف المحروقات والصيانة يبلغ 20,000,000 سنويا يمتلك وهذا المكلف منزلا يؤجر بمبلغ 2,000,000 سنويا ويدفع ضريبة بمعدل 45% أي أنه يدفع 900000 ضريبة وعلى ذلك يمكننا استخلاص المعادلة التالية التي يدفع هذا المكلف بموجبها ضربته في مثالنا الافتراضي هذا معدل الرواتب و الأجور :20%

معدل التاكسي واحد%

معدل المنزل 45 %

ولو كان هذا المكلف تخصص في التكسي فقط كان قد حقق أعلى من الدخول لأخرى .

ولو جمعنا كافة الدخول التي يحصل عليها وأخضعناها لمعدل واحد لكنا وصلنا إلى رقم أكثر عدالة .

إذ أن العدالة بين المكلفين تتعلق بمجمل الدخل الذي يحققه المكلف وليس بنوع الدخل.

5- ضعف الحصيلة الضريبية:

إن العودة إلى نسب الحصيلة الضريبية للناتج القومي تشير إلى أن حصيلة الضريبة أقل بكثير في الضرائب النوعية عن الضريبة على مجمل الدخل.

على أن السؤال الذي يثور طالما تبينا جليا أن النظام الضريبي النوعي فاشل ومخيب للآمال .

السؤال هو ما هي الدول التي ما تزال تطبق النظام النوعي؟

والجواب هو أن 71 دولة متقدمة أقلعت عن النظام النوعي تماما، حيث أن الضريبة لدي هذه الدول تفرض على أي دخل يحققه المكلف من خلال ما يسمى الضريبة على مجمل الدخل الذي يحققه المكلف مهما كان مصدره.

ومن المعروف أن النظام الضريبي السوري قد وضع في عهد حسني الزعيم، عام 1949 وكان نظاما نوعيا أبقى على بعض الضرائب على رأس المال.

وميز بين الدخل الناتج عن ريع رأس المال، والدخل الناتج عن العمل، والدخل الناتج عن الإستثمار الصناعي والتجاري ، وميز بين الأنشطة المختلفة ، كالدخل المحدود ، والدخل العادي أو الحقيقي ، ودخل العمليات التجارية ، ودخل البنوك، ودخول التأمين وغيرها.

وكان من المأمول أن يتم التخفيف من التنوع أو الانتقال إلى الضريبة على مجمل الدخل بموجب القانون 24 الذي صدر عام 2003 لكن القانون الجديد قد أعاد إنتاج القانون السابق .

كما لم تحقق التعديلات التي صدرت مؤخراً أي تطوير باتجاه الضريبة على مجمل الدخل.

هذه الدخول الطفيليه التي قد تزيد أحيانًا عن حصة خزينة الدولة، تجعل المكلف دافع الضريبة غير مطمئن لعلاقته مع الدوائر الضريبية، فهو خاضع للابتزاز ومجبر على مخالفة القانون.

كما أنه معرض للفضائح التي تسيء إلى سمعته وقد تعرضه للإفلاس فيما لو تم الكشف عن هذه الممارسات في المستقبل.

بالاضافة إلى تمويل الفساد الإداري عن طريق تلك الأموال التي يدفعها إلى الموظفين الفاسدين. وتسهم في نشر ثقافة الفساد في المجتمع وتؤثر سلبًا في المنظومة الأخلاقية والقيمية على المدى البعيد.

وكثيرًا ما تؤدي هذه الممارسات إلى بحث المستثمر أو المكلف عن حماية قانونية عن طريق شريك متنفذ، أو موظف كبير يجعله يدفع ضريبة أقل دون مخاطر، مما يضعف التنافسية التي يحتاجها الإقتصاد الوطني.

البعد عن العدالة الضريبية:

العدالة الضريبية هدف لا بد منه لتأمين المساواة بين جميع المكلفين من جهة ، وجميع أنواع الدخل من جهة ثانية.

ولعلنا نفترض بأن موظفًا يتقاضى راتبًا شهريا قدره مئة ألف ليرة ويبلغ معدل الضريبة 20%

كما يعمل على تكسي مساءً ويحصل على غلة شهرية صافية 1000000ليرة ويدفع مئة ألف. ليرة ضريبة سنوية فيكون إجمالي دخله السنوي من هذه السيارة: 1200000 ليرة أي أن معدل الضريبة 11%

ويملك منزلًا مؤجرًا بمبلغ 100000 ليرة شهريا ويدفع ضريبة 300000 ليرة أي بمعدل 25% سنويًا

كما يحصل على فائدة على حساب التوفير بالبنك ويدفع ضريبة بمعدل 7%

وهكذا نجد أن هذا المكلف بدفع بمعدلات متفاوتة:

20% رواتب

11% ؜تكسي

25% إيجار

7%؜ فوائد

وقد يخضع للتصاعد بحسب قيمة دخله من كل نشاط.

وتقتضي قواعد العدالة أن يدفع بمعدل متصاعد عن كافة الدخول التي يحصل عليها، بعد جمعها مع بعضها البعض.

ضعف الحصيلة الضريبية:

تشير الدراسات إلى أن مستوى الحصيلة الضريبية في نظام الضرائب النوعية يقل إلى أقل من نصف الحصيلة في النظام الضريبي على مجمل الدخل.

ولذلك نجد أن 71 دولة متقدمة أقلعت عن النظام النوعي وتحولت إلى الضريبة على مجمل الدخل.

كما أن دولًا أخرى تسير على نفس الطريق لكن بالتدريج.

ويذكر أن النظام الضريبي السوري صدر أساسًا عام 1949 أيام حسني الزعيم وكآن نوعيا إلى حد بعيد، وكان من المأمول أن يتم تحويله إلى نظام موحد من خلال القانون 24 الذي صدر عام 2003 . لكن ذلك القانون كان إعادة إنتاج القانون السابق، ولم يتم التحول إلى الضرائب النوعية بعد.

*بروفيسور ووزير سابق – سوريا

 

مقالات ذات صلة