هاشتاغ- يسرى ديب
لا ينقص السوريين المزيد من أخبار رفع الأسعار، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بمستقبل أبناءهم؟
هذه المرة كانت تسعيرة غير مسبوقة للكتب المدرسية، تجعل الأسر التي لديها أكثر من طالب تحتاج إلى قرض لشراء الكتب فقط؛ حتى وإن كانت مستعمله وبسعر أقل.
مؤسسة المطبوعات باغتت السوريين بأسعار كاوية جديدة، حيث وصل سعر نسخة الكتب لطلاب البكالوريا مثلاً للعام الدراسي 2022-2023 إلى نحو 50 ألف ليرة، أي ما يعادل نصف راتب شهري للكثير من العاملين في الدولة.
هذا الرقم سيتبعه الكثير من مئات الألوف خلال العام الدراسي من القرطاسية إلى أجور
الدروس الخصوصية، بشكل يجعل السؤال عن مصير التعليم المجاني أكثر الحاحاً؟!
ثلاثة أولاد .. ومليون
طلال سليم؛ أب لثلاثة أولاد في المدرسة، يقول لـ” هاشتاغ” إن تجهيز كل منهم لا يقل
عن 200 ألف ليرة وهذا بالحدود الدنيا، إذ أن سعر الحقيبة المدرسية من النوع المتوسط 35 ألف ليرة، واللباس المدرسي 50 ألف ليرة.
سليم أكد أنه اشترى 3 دفاتر فقط بسعر جملة وصل إلى 24 ألف ليرة.
وقال إن هذا يضاف إلى سعر الكتب المرتفع أيضاً هذا العام.
كل هذه التكاليف لا تشمل تكاليف الدروس الخصوصية، إذ أن الحد الأدنى للدرس
الخصوصي لكل مادة يبدأ من 20 ألف ليرة شهرياً. بينما هنالك من يطلب 60 ألف ليرة للمادة، وهذا يعني أن كلفة 6 مواد بالسعر الأقل لن تقل عن 120 ألف ليرة شهرياً وفقا لسليم.
أضاف أن عليه تأمين ما لا يقل عن مليون ليرة لبداية العام الدراسي، وهذا المبلغ لا يشمل التكاليف الأخرى كالمواصلات مثلاً!
ووصف سليم هذه الحال بالعبء الذي يحول دون تمكن الكثير من الأهل من تدريس أبنائهم وتأمين المطلوب منهم.
وأشار إلى أن هذا الواقع يدفع الكثير من الناس للبحث عن دخل بشتى الطرق، خاصة أن غالبية السوريين موزعة بين الموظف أو المشرد والعاطل عن العمل.
ليست مجانية
الإعلامي السوري أسامة يونس قال لـ “هاشتاغ” إنه لا يمكن وصف تلك المؤسسات في الحقيقة بأنها مجانية وذلك لاعتبارين:
أولاً؛ لأن السوريين يدفعون سلفاً أضعاف ما يقدم لهم بوصفه خدمة مجانية. فهم يتقاضون رواتب هزيلة، وبالتالي يدفعون سلفاً ما يقدم لهم.
ثانياً؛ ما كان يخصص لتلك المؤسسات ومنذ عقود كان يشهد تراجعاً متزايداً من الإنفاق العام، يضاف إليه الفساد والترهل الإداري في تلك المؤسسات وغياب المحاسبة.
كل ذلك أدى، بحسب يونس إلى تراجع حتى تلك الخدمات البسيطة في تلك المؤسسات، سواء في المدارس أو المشافي، حيث صار مألوفاً أن تجد المعدات المهترئة أو المرمية.
إلى الجيوب
تراجعت سوية الخدمات التي تقدمها الحكومة بشكل حاد في السنوات الأخيرة، بل بدأت الحكومة تمد يدها أكثر إلى جيوب الناس، كما يرى يونس.
ولهذا يمكن القول، وفقا للإعلامي السوري، إن ما يقدم في تلك المؤسسات على أنه خدمة مجانية لم يبق منه سوى الجهد البشري الذي يقدم مجاناً.. فالكادر التدريسي أو الطبي الذي يقدم خدماته دون مقابل يذكر شأنه شأن جميع العاملين في الدولة.
ضغط مادي ونفسي
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي محمد كوسا أن المستلزمات المدرسية هي استهلاك موسمي، وهذا بحد ذاته يشجع على رفع الأسعار بسبب الطلب الكبير.
أضاف كوسا لـ “هاشتاغ” أن التضخم لاعب أساسي في زيادة أسعار هذه المستلزمات بالمقارنة مع دخل الأسر المتواضع، وهذا سيشكل ضغوطاً نفسية ومالية على الأسر الأقل دخلاً خاصة الفقيرة.
وبين أن 70% من الأسر ستقوم بشراء هذه المستلزمات تبعا للسعر الأقل متغاضين عن الجودة، بسبب عدم المقدرة المالية، مع أن هذه الأقل سعراً هي مرتفعة القيمة المالية بالمقارنة مع الإمكانات المالية.
وصفات العولمة
أضاف كوسا أن هناك من يدعو لإلغاء هذه السياسة، وهم من مؤيدي بعض الوصفات “المعولمة” في معالجة التعثر الاقتصادي للحكومات بإلغاء الدعم او إعادة هيكلته.
لكن – والكلام للخبير الاقتصادي- يجب أن نعرف أن التعليم المجاني هو استثمار حقيقي للدولة في رعاياها (رأس المال البشري ). فكيف ستبنى الدول وتتطور إذا لم يمتلك أبناؤها العلم والمعرفة، وكيف تتقدم المجتمعات إذا غاب التعليم عن أبنائها؟
الحاجة أكبر خلال الحرب
يرى كوسا أنه في ظل الأزمات والظروف الطارئة تقوم الدول بالإنفاق شبه المجاني في سبيل تجاوز الأزمات والنهوض من جديد. فكيف الحال ونحن نعاني منذ أكثر من عقد من حرب دمرت الكثير؟
يضيف: نحن أحوج اليوم للتعليم المجاني من أي وقت مضى لكي نبني الإنسان ونصنع منظومتنا الأخلاقية والمعرفية، لمحاولة الخروج من هذه الحرب بأقل الأضرار.
ويقول “لأن الناس اليوم يعانون الضائقة المالية والمعيشية والأخلاقية فيجب الاهتمام بمجانية التعليم.
تعليم للأغنياء دون الفقراء
الناشطة في قضايا المجتمع والمدّرسة في جامعة دمشق قسم الفلسفة رشا شعبان
طرحت فكرة أخرى وهي أن المشكلة في طبقية التعليم وليس مجانيته.
تقول: أصبح التعليم خاضعا لمستويات جعلت للأغنياء مدارس خاصة بهم وللفقراء المدارس الحكومية.
وهذا يعني، وفقا لشعبان، أن المعلمين يقدمون للأغنياء في التعليم الخاص أكثر مما يقدمونه في المدارس الحكومية.
وبينت أن الأمر ينطبق أيضاً على الجامعات، إذ نشهد هجرةً من التعليم الحكومي إلى
الخاص نتيجة الظروف الاقتصادية التي تدفع القائمين على التدريس إلى الهروب للخاص للحصول على دخل أفضل.
وأشارت إلى أن التعليم يخضع اليوم لعمليات مقايضة واتجار، ولم يعد رسالة أخلاقية وإنسانية. وإلا كيف يمكن تفسير وصول الأقساط في بعض المدارس إلى نحو 40 مليون ليرة؟
إن هذا يعني من وجهة نظر شعبان أن من لديه الأموال يحصل على التعليم الأفضل، وعلى الفرص الأفضل.
وأشارت إلى أن المال أصبح يساوي بين فرص من اجتهد طيلة العام بالدراسة والتعب
للحصول على مقعد في الطب مثلاً وبين من دفع المال دون تعب للحصول على الفرصة ذاتها.
وهذا كله يندرج ضمن طبقية التعليم الأخطر من وضع مجانيته حسب قولها.
ما زالت رخيصة!
الباحث التربوي والاجتماعي حسام الشحاذة يرى من جانبه في تصريح لهاشتاغ أنه أمرٌ طبيعي أن ترتفع أسعار الكتب المدرسية! خاصةً في ظل ظروفٍ اقتصادية صعبة على المستوى المحلي والعالمي، حسب قوله.
وتبنى الشحاذة رواية الحكومة عن مسببات رفع الأسعار قائلا: الارتفاع العالمي لأسعار المحروقات، وارتفاع سعر الصرف للقطع الأجنبي أمام الليرة السورية. إضافة إلى متغيرات اقتصاد الحرب الذي تعيشه سورية منذ عام (2011). انعكس سلباً في الارتفاع اللافت وغير المسبوق في أسعار الورق والأحبار وتكنولوجيا الطباعة.
أضاف: “ولكن رغم ذلك – وبرأينا الشخصي – لا زالت أسعار تلك المطبوعات المدرسية بالمستوى المقبول والمتناسب نوعاً ما مع ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة”.
بسبب الحرب
يصف الشحاذة انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية بأنها انعكاس ونتيجة متوقعة لظروف الأزمة السورية، خاصة في المناطق التعليمية التي عادت إلى سيطرة الدولة. حيث مدارسها مهدمة وخارجة من الخدمة، وكوادرها التدريسية والإدارية مهجرة.
يضاف إلى ذلك، وفقا للباحث، عامل سوء الوضع المعيشي للمعلمين في مدارس القطاع الحكومي بالمقارنة مع المعلمين في مدارس القطاع الخاص. حيث مستوى الرواتب والأجور لدى معلمي مدارس القطاع الخاص أكبر بعدة أضعاف.
دون الطموح
وأشار الشحاذة إلى أنه “بالرغم من الجهود الحميدة التي تقوم بها وزارة التربية لتحسين ظروف العلمية التربوية والتعليمية في معظم مدارس القطاع الحكومي وتجويده، إلا أن الطموحات لازالت كبيرة”.
ولفت إلى ملاحظة تستحق الاهتمام، وهي أن “جميع الطلبة المتفوقين بالدرجات التامة في شهادتي التعليم الأساسي والثانوي كانوا من خريجي المدارس الحكومية. وعدد محدود من المتفوقين كانوا من خريجي مدارس القطاع الخاص”.
إعادة نظر
يخلص الشحاذة إلى أنه يجب أن يعاد النظر بالطريقة والأسلوب والسياسات الخاصة بالتعليم ككل، فالزمن تغير والعلوم والاحتياجات الاجتماعية تتغير. لذلك يجب أن يتغير الاستهداف في التعليم من حيث الغاية الاجتماعية ومنظومة التعليم بمجملها.