هاشتاغ – إيفين دوبا
“صيف حارّ بلا مياه” اعتاده السوريون في الحسكة شمال شرقي البلاد، وعلى ما يبدو اعتادت تركيا والفصائل المسلحة التابعة لها على استخدام سلاح قطع المياه عنها في “عزّ الصيف” منذ احتلالها مدينة رأس العين في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2019.
شهر كامل مرّ وأزمة انقطاع مياه جديدة لمحطة علوك على أحياء مدينة الحسكة وقراها، ما تسبب بتعطيش أكثر من مليون نسمة تعيش في هذه المنطقة.
مدير مؤسسة مياه الحسكة، محمود العكلة، قال إنّ تعديات المسلحين على محطة مياه علوك ليست جديدة، لكنها تشتد في ذروة الصيف، كل عام.
وفي تصريح لـ”هاشتاغ” أكد العكلة أنه قبل قطع المياه النهائي الحالي بشكل كامل، لم تكن تصل المياه كل ستة أيام مرة للمواطنين.
ومع ارتفاع درجات الحرارة، وازدياد حاجات السكان لاستخدام المياه، بدأت تتراجع ساعات الضخ بشكل ملحوظ، بحسب العكلة، لتصل إلى قطع نهائي عن المدينة وقراها.
ولفت العكلة إلى أنّ “ورشات مؤسسة المياه تعمل بالتنسيق مع الجانب الروسي للوصول إلى المحطة وإزالة التعديات، وإعادتها إلى طاقتها الاعتيادية”.
وعملت الجهات الحكومية السورية على تسيير عدد من الصهاريج لتوزيع مياه الشرب والاستهلاك على السكان مجاناً.
إضافة إلى تشغيل عدد من محطات تحلية المياه، والاستمرار في تعبئة نحو 150 خزاناً سعة 1 متر مكعب يومياً لسد جزء من النقص الحاصل.
لا حل سوى محطة علوك
تعد آبار مشروع مياه علوك، هي الحل الوحيد الذي تملكه مؤسسة المياه في المحافظة، من أجل ضمان وصول المياه إلى السكان.
وتؤمن علوك المياه إلى مدينة الحسكة، وريفها الغربي، ويغطي حاجتها من المياه، لما يقارب 54 قرية، ولا يوجد أي مياه صالحة للشرب قريبة من المدينة، وكل المصادر بعيدة، حسب قول العكلة، مثل مصادر الفرات ودجلة.
ومع تكرار استهداف محطة الضخ في علوك، فإنّ أي تشغيل للمحطة من دون وجود دائم لعمال مؤسسة المياه الحكومية لا معنى له.
وبالتالي الحل الوحيد هو تحييد محطة مياه علوك وإيجاد آلية تضمن تدفق المياه منها على مدار الساعة، بحسب متابعين ونشطاء.
أما بالنسبة إلى “سرقة الأتراك” لمصادر المياه في المحافظة، فهي ليست وليدة الأزمة السورية الحالية، بحسب العكلة.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وتركيا “تسرق” المياه الواردة إلى سوريا، من مصادر المياه المشتركة بين البلدين، ومن بعدها جفت ينابيع مياه مدينة رأس العين، الواردة من نهر الخابور، منذ ذلك الوقت.
لكن، خلال أزمة المياه الحالية، تسعى تركيا إلى الضغط على سوريا عبر “تعطيش شعبها” في الشمال السوري، ولا تملك المؤسسة، أي حلول وفق العكلة سوى تأمين مياه الشرب عبر الصهاريج المتنقلة، من بعض المصادر القريبة من المدينة، والتي تبعد عنها مسافة 12كم، وغزارتها محدودة.
وهذه أيضاً في الأحوال الطبيعية تؤمن المياه لما يقارب 40 تجمع وقرية.
أما بالنسبة إلى بقية الاحتياجات اليومية، يعمل السكان على الاستفادة من بعض الآبار السطحية، وهذه مياهها غير صالحة للشرب، ولكن، يمكن الاستفادة منها للأغراض المنزلية.
حلول مؤقتة
وفي وقت سابق، تم اللجوء إلى حفر بعض الآبار السطحية للاستخدمات المنزلية ربما لا تتجاوز أكثر من مئة عائلة.
وتمّ تقديم أربع محطات تحلية من إيران، غزارة الواحدة منها عشرة أمتار مكعبة في الساعة الواحدة، وأصبحت حسب قوله ضمن الاستثمار، إضافةً إلى ستة عشر محطة أخرى مقدمة من منظمة اليونيسف والهلال الأحمر السوري، غزارتها أقل من السابقة، وتبلغ 1.5 متر مكعب بالساعة للمحطة الواحدة.
وهذه المحطات من الممكن أن تسدّ جزءاً من النقص الحاصل في المياه بالمحافظة، وهذا الإجراء من شأنه حسب قول العكلة ضمان وصول مياه نظيفة لأهالي المحافظة.
ومع هذا، فإن الحصيلة النهائية من مجمل تلك الحلول لا تصل إلى تأمين 1500 متر مكعب من المياه للمواطنين في اليوم الواحد، وتشكل ما نسبته 2 في المئة من إجمالي الاحتياجات اليومية لأهالي الحسكة، والتي تبلغ 80 ألف متر مكعب في اليوم الواحد.
إذاً، هي أزمة متجددة، يلزمها حل أعمق، وأكثر جدية، وعنه يقول العكلة:” إن الحلول الاستراتيجية لمشكلة المياه في الحسكة، لا يمكن أن تكون، إلا عبر الحل البعيد”.
ويتمثل في مشروع دجلة الكبير، والذي أطلق عام 2011، وكان من المفروض أن يبصر النور في 2015، لكن، الظروف الأمنية التي تشهدها المدينة، حالت دون تحقيقه، وهو لن يتحقق طالما أن الظروف هذه مستمرة.
وكشف المسؤول السوري أن كل ما يقال عن مشروع بديل لتوفير المياه من الحمة والحلول الأخرى ليس ممكناً ولا يمكن أن يتوافر اليوم أي حل بديل من محطة علوك الرئيسة التي يسيطر عليها الأتراك.
ماذا عن المجتمع الدولي؟
والحل الوحيد طبقاً لـ”عكلة” وتجاوز الكارثة المرتقبة من العطش ومن الأمراض المحتملة نتيجة استخدام آبار بدائية ومياه من مصادر لا تخضع للتحليل والتعقيم هو طرد الفصائل المسلحة التابعة لتركيا من موقع محطة علوك وتشغيلها من عمال مؤسسة المياه وتحييد محطة علوك عن أي صراع عسكري تجنباً لكارثة بحق الإنسانية يتضرر اليوم منها سكان مدينة بالكامل.
أهالي الحسكة الذين عبروا عن معاناتهم وغضبهم مرات عديدة عبر الوقفات الاحتجاجية يتساءلون اليوم عن عجز المجتمع الدولي عن تحييد القضايا الإنسانية عن الصراع العسكري في سوريا.
كما أصبح تأمين مياه الشرب الشغل الشاغل للسكان الذين يسعون إلى تأمين المال والصهريج لتعبئة المياه وأصبح الجميع يتقشف بشكل كبير في استهلاك المياه لصعوبة تأمينها وتكلفتها المرتفعة.
وباتت مظاهر الأطفال والنساء والرجال، وهم يحملون غالونات فارغة ويقومون بتعبئتها من الخزانات الموجودة في الأحياء التي وضعتها منظمات إنسانية من المشاهد الاعتيادية.
وفي هذا السياق، بيّن رئيس مجلس مدينة الحسكة عدنان خاجو، أنه ” يتم تسيير صهاريج في أحياء وسط مدينة الحسكة كتدخل إسعافي، لسدّ جزء من احتياجات الأهالي من مياه الشرب والاستهلاك”.
وأكد على: “استمرار العمل على إدخال المزيد من الصهاريج إلى حين انتهاء أزمة المياه، وعودة محطة علوك الى عملها الطبيعي”.
كما دأبت الحكومة السورية على توجيه نداءات للمنظمات الدولية لوقف التعديات على المحطة، وتحييدها عن الصراعات السياسية والعسكرية.
واعتبار قطع المياه عن نحو مليون مواطن يعتمدون على المياه الواردة من المحطة كمصدر وحيد لمياه الشرب جريمة حرب موصوفة.
يشار إلى أن عدد آبار مشروع علوك 34 بئراً إضافة إلى 12 مضخة مياه أفقية، يتم من خلالها إنتاج كمية مياه تقارب 80 ألف متر مكعب يومياً.