هاشتاغ – إيفين دوبا
يبدو أن التأكيد الرسمي أو النفي المتعلّق بوجود زيارات متبادلة بين سوريا وتركيا لم يعد ذات أهمية، إذ أنّ نتائج الاجتماعات بدأت تظهر على الأرض، أبرزها توقف تركيا عن الحديث عن عملية عسكرية واسعة.
ويبدو أن اللقاءات الأمنية باتت تنضج أكثر بين الطرفين تمهيداً للوصول إلى لقاءات سياسية قد تسفر عن اتفاق يعيد مياه العلاقات المقطوعة منذ أكثر من عقد بين البلدين الجارين.
وتبعاً لذلك تبخر التهويل التركي منذ أيار/ مايو الماضي حول قرب بدء عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية.
وتكتفي أنقرة الآن بعمليات صغيرة في جيوب محددة، أو عبر استهداف قيادات كردية كان آخرها قبل يومين إذ اتهمت قسد تركيا باستهداف سيارة كانت تقل الرئاسة المشاركة لإدارة السجون في الريف الشرقي لمدينة رميلان النفطية، وأسفرت عن مقتل المسؤوليَن على الفور.
في هذا السياق كشف مصدر مطلع في دمشق لـ”هاشتاغ” عن أنّ لقاءات متلاحقة غير معلنة جرت بين مسؤولين أمنيين كبار سوريين وأتراك، وجرى بعضها في سوريا.
وأضاف المصدر: “ليس آخرها ما أجراه رئيس جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان ونظيره السوري علي مملوك من محادثات في دمشق”.
تفكيك قسد أم تحجيمها؟
يقول المصدر في سياق الحديث عن صعوبة المباحثات: “عملية إعادة العلاقات لن تكون سهلة، بسبب تفاصيلها التي لا يمكن حلّها بسهولة، لكن المهم أنّها رغم حساسيتها وخطورتها تشهد تقدماً لافتاً”.
وعلى صعيد “مطبات” الاتفاق، أوضح المصدر وجود الكثير من العراقيل التي يتم بحثها خلال الاجتماعات، وعلى رأسها دعم تركيا لفصائل مسلحة في الشمال السوري، الأمر الذي ترفضه دمشق كلياً.
وبحسب المصدر فإنه لا مصلحة للسلطات السورية في تطبيع العلاقات مع أنقرة طالما استمرت القوات التركية في وجودها على الأراضي السورية.
ومع ذلك، لكي تضمن تركيا حماية مصالحها، فإنها بحاجة إلى ضمان التزام السلطات السورية بمنع حزب العمال الكردستاني من استخدام أراضيها للإعداد لهجمات على تركيا.
ويقول المصدر: “تسعى تركيا إلى تفكيك قسد وأي تشكيلات كردية، في حين تهتم سوريا بتحجيم قسد ووضعها ضمن دائرة الوطنية السورية”.
لكن في النتيجة الطرفان متفقان على “إنهاء الطموحات أو النزعات الاستقلالية للأكراد أو أي حركات انفصالية أخرى” طبقاً للمصدر.
ويشير المصدر إلى أن قسد “مضطرة للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية كخيار وحيد. لأنّ أي اتجاه آخر سيكون مؤذياً لها ولمصالحها. خاصة أن الأكراد سيكونون خارج معادلة الاتفاقيات بين تركيا وسوريا”.
ماذا عن اللاجئين وإدلب؟
وتشكل مسألة عودة اللاجئين أحد البنود الرئيسية للتوصل إلى أي اتفاق، وأكد المصدر من العاصمة السورية أنها “ليست مهمة سهلة”.
لكن وجود اللاجئين في تركيا خلال الفترة القليلة القادمة من الممكن أن يفيد حزب العدالة والتنمية في انتخابات العام المقبل عبر التحشيد لأصوات الناخبين.
وعن ما حصل من تهديدات للائتلاف السوري المعارض الموجود على الأراضي التركية، فيرى المصدر أن المسألة “ورقة ضغط لفصل الائتلاف عن بقية المجموعات والفصائل التي تدعمها تركيا، بهدف إدخال الإئتلاف ضمن التسويات اللاحقة”.
ويقول المصدر إنّ دمشق تصرّ على خروج القوات التركية من سوريا، واستعادة السيطرة على كامل الجغرافيا في الشمال السوري بما فيها إدلب وريف حلب.
إلا أن العودة إلى هذه الجغرافيا ليس سهلاً لأنها أصبحت ملجئاً لمقاتلي الفصائل المتشددة وعلى رأسها جبهة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً).
ويرى محللون، أنه لحل هذه العقدة خياران، الأول معارك واسعة للجيش السوري مع تغاضي تركي، وهذا الخيار سيكون مكلفاً جداً من النواحي المادية والعسكرية والإنسانية.
أو أن تتكفل تركيا بعملية ترحيل المتشددين من إدلب إلى مكان آخر وتأتي أفغانستان على رأس الخيارات، لأنها الأنسب لهؤلاء المتشددين لا سيما بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم.
ماذا عن الروس والأمريكان؟
يؤكد المصدر أنّ روسيا عرضت مراراً المساعدة في ترتيب لقاء وزاري تركي سوري. ويتابع: “بحكم ظروف المنطقة والوضع الدولي حيث الصراع بين حلف روسيا بمواجهة الأطلسي على أشده في أوروبا فإن الوصول لاتفاق حقيقي سيكون لا بد منه، وما يجري حالياً تنفيذ بنود الاتفاق خطوة خطوة”.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد قالت في بيان قبل أيام، إن موسكو تدعم فكرة تنظيم لقاء بين وزيري خارجية سوريا وتركيا.
ولم يخفِ نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن بلاده تدعم فكرة تنظيم اجتماع لرؤساء وزارة الخارجية في تركيا وسوريا، إذا لزم الأمر.
وأشار إلى أن موسكو ترى أن الاجتماع سيكون مفيداً. وأقر بالقول: “نحن نتحدث عن إقامة اتصالات، حالياً تجري الاتصالات على المستويين العسكري والاستخباراتي بين الجانبين. نحن ندعم هذا اللقاء، ونشجعهم على ذلك”.
ونقلت وكالة رويترز عن مصادر لم تسمها كان منهم من وصفته بمسؤول تركي كبير، ومصدر أمني تركي أيضاً، قولهم إن موسكو سحبت بعض الموارد العسكرية من سوريا للتركيز على أوكرانيا.
وطلبت من تركيا تطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، لتسريع الحل السياسي في سوريا، بحسب رويترز.
وذلك لأن أنقرة لا تريد أن تسد القوات الإيرانية أو المدعومة من إيران الفجوات التي خلفتها الانسحابات الروسية.
كما لا تريد روسيا توسيع النفوذ الإيراني لأنه يقلل من وجودها، وفقاً لرويترز.
وصرح السفير التركي السابق في سوريا، عمر أنهون، بأن استمرار الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب في شمال شرقي سوريا، يثير غضب أردوغان ويقربه أكثر من روسيا.
وفي هذا الإطار يقول المصدر لـ”هاشتاغ” إن الولايات المتحدة “ترفض عودة العلاقات بين تركيا وسوريا، لكنها لن تعترض أي مباحثات تقتصر على الجانب الأمني والعسكري، ولا تقود إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية والسياسية”.
وأضاف: “في نهاية المطاف ستنسحب القوات الأمريكية من المنطقة بشكل كامل”.