هاشتاغ – حسن عيسى
لم يعد حلم الحصول على وظيفةٍ حكومية في سوريا ذو أهمية كما كان في سنوات ما قبل الحرب، بل تحولت الوظيفة إلى كابوس يسعى الكثيرون للتخلص منه والتوجّه نحو أعمال تتماشى مع الواقع الاقتصادي المتردي.
ويعاني الموظفون في القطاع الحكومي من فقدان القيمة الاجتماعية فضلاً عن المردود المادي المتدني جداً.
ويبلغ الحد الأعلى لمعظم العاملين في القطاع الحكومي بسوريا نحو 120 ألف ليرة سورية فقط، في حين تشير التقديرات إلى أن تكلفة المعيشة لأسرة مكونة من 5 أشخاص لا تقل عن 700 ألف ليرة سورية بالحد الأدنى.
وذلك نتيجة الهوّة الكبيرة بين الدخل وبين متطلبات المعيشة، والتي لم تسعفها مراسيم حكومية مختلفة بسبب تسارع وتيرة التدهور الاقتصادي المستمر.
وأمام هذا الواقع يحاول موظفون تقديم استقالاتهم والبحث عن وظائف أخرى بديلة.
وخلال الفترة القليلة الماضية شهد القطاع الحكومي استقالات بالجملة في عدد من القطاعات المختلفة.
و حاول “هاشتاغ” التواصل مع مسؤولين حكوميين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لمعرفة وجهة نظرهم لكن لم يتمكن من الحصول على رد.
سوق الخضرا بدل الوظيفة
يقول وائل، موظف في قطاع الاتصالات بمحافظة طرطوس في حديث لـ “هاشتاغ”، إنه قدّم طلب استقالة منذ عامٍ تقريباً، وعندما حصل على الموافقة شعر بأنه أكثر حريةً من ذي قبل، على حد تعبيره.
ويشير “وائل” الذي يعيش مع أسرته المكونة من ثلاثة أطفالٍ ووالدتهم، إلى أنه اتجه للعمل في سوق الخضار بمدخولٍ يعادل خمسة أضعاف ما كانت تقدمه له الوظيفة.
ويقول: “عملت في القطاع الحكومي لعشر سنوات ولم أستطع أن أشتري دراجة نارية صغيرة، اليوم وأنا في عملي الجديد مقبلٌ على شراء سيارة”.
ويكمل: “الوضع لم يعد يطاق، الرواتب الحكومية لا تكفي لأيام، ناهيك عن الوقت الكبير الذي تهدره في تلك الوظيفة، والذي يمكنك استغلاله بشيءٍ ذو منفعة مادية أفضل بكثير”.
فرص واستياء
لم يكن الوضع مختلفاً كثيراً عند علي (25 عاماً)، والذي تم قبوله في المسابقة المركزية الأخيرة التي أعلنت عنها الحكومة، لصالح مؤسسة المياه بمحافظة طرطوس.
ويشير في حديث لـ “هاشتاغ” إلى أنه لم يستكمل بقية أوراقه للحصول على تلك الوظيفة، نظراً للراتب القليل الذي تقدمه، والذي لا يمكن أن يؤسس له المستقبل المنتظر، بحسب قوله.
ويقول: “كنا نعتقد أن الوظيفة الحكومية أكثر ضماناً من الأعمال الحرة والخاصة، نظراً لما تقدمه من مميزات أهمها الراتب التقاعدي”.
ويضيف علي: “اكتشفنا أننا مخطئين، نستطيع الحصول على أضعاف ذلك الراتب خلال سنتين فقط من العمل بمجالاتٍ أخرى”.
على الضفة الأخرى، ينتظر محمود الموظف في قطاع الإسكان بمحافظة اللاذقية، قبول طلب استقالته الذي قدمه منذ نحو أربعة أشهر، ليعود إلى ما وصفه بـ “حياة العزوبية العملية”.
محمود العسكري السابق الذي أدى خدمته الإلزامية وفوقها “حبة مسك” وتوظّف بعد تسريحه قبل عامين فقط، يبدو أنه ندم على قراره وبدأ محاولات العدول عنه ليبدأ مشروعه الخاص.
ويضيف: “أخبرونا أنهم لن يستطيعوا الاستغناء عن خدماتنا نتيجة نقص العاملين، وأنا أنتظر الموافقة منذ أشهر رغم أنهم قالوا لنا ألا نتأمل كثيراً بذلك”.
ويقول محمود: “الحل الأخير هو التقاعس في الذهاب للعمل، لدي أرض زراعية وبإمكاني العمل سائق أجرة بعض الأوقات، أعتقد أن حياتي ستصبح كريمة أكثر مما هي الآن، أريدهم أن يتركوني وشأني فقط”.
اعتراف رسمي
هذه التطورات المتعلقة بحال الوظائف الحكومية في سوريا، كان قد كشف عن البعض منها رئيس نقابة عمال الدولة والبلديات بمحافظة اللاذقية فواز الكنج، الذي أشار لاستقالة نحو 500 عامل بعدة قطاعات.
وكشف الكنج أيضاً خلال تصريحٍ إذاعي، عن تقديم آخرين بطلبات استقالة رُفضت نتيجة الحاجة لهم في المؤسسات، مشيراً إلى أن رواتبهم تتراوح بين الـ 80 – 120 ألف ليرة فقط.
واعتبر الكنج أن هذه الرواتب غير كافية في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد، “لولا الحاجة لن يتقدم أحد للعمل بهكذا راتب”.
ولفت رئيس نقابة العمال لوجود 400 عامل نظافة فقط في اللاذقية بينما الحاجة لـ 2500 عامل.
وقال: “في حال لم تتم متابعة وملاحظة هذا الأمر ستكون الفترة المقبلة سيئة للمدينة من ناحية النظافة”.