هاشتاغ-ناديا مبروك (القاهرة)
قبل 8 سنوات، فوجئت يسرا عبد الرحمن فنانة المجسمات والديكور بصاحبة دار حضانة تطلب منها عمل ديكورات بمناسبة “الهالوين“، لم تكن حينها تعرف أي شئ عن “عيد الهلع”، وحين أبدت استغرابها، طلبت منها البحث عن تاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر، لتتعرف للمرة الأولى على الهالوين الذي سيصبح موسم لعملها بعد سنوات قصيرة.
تقول يسرا: “لم أكن حينها أعرف شيئا عن هذا العيد، إلا أنه بعد 3 سنوات فوجئت بالكثير من الطلبات لموسم “الهالوين” سواء من المدارس أو الحضانات أو المولات والمطاعم، وأصبح مناسبة لها موسم معروف يبدأ من أول شهر أكتوبر وحتى نهايته، سواء للمصورين ومصممين الأزياء ومصممي الديكور.”
وأضافت يسرا في حديثها لـ “هاشتاغ “جزء كبير من انتشار الهالوين يعود للمدارس الدولية، انتقلت بعدها عبر طلابها إلى الكمبوندات، والمولات وأصبح احتفال معترف به اجتماعياً في مصر”.
ورغم عملها في تصميم ديكور الهالوين، إلا أن يسرا لا تعترف بالاحتفال به، وتعتبره تقليعة غريبة عن الثقافة المصرية، مشيرةً إلى أن المجتمع لا ينقصه العنف حتى تنتشر مشاهد الدم والجثث.
وأضافت يسرا أن التاريخ المصري ملئ بالعديد من المناسبات التي يمكن الاحتفال بها، كما أن الثقافة المصرية غنية بالرموز المخيفة مثل المومياوات وغيرها، فحتى إذا قررنا الاحتفال بالرعب يمكن استخدام الرموز المصرية، ولكن للأسف أصحاب الأماكن العامة كالمراكز التجارية لا تريد تجربة أي فكرة جديدة، على حد قولها.
وأوضحت يسرا أن جزءا من تغذية الاحتفالات بالهالوين هو رغبة المراكز التجارية وأصحاب المطاعم والبواخر السياحية في جذب أكبر عدد من الجمهور، من خلال الديكورات المختلفة، والحفلات.
بداية الهالوين
رغم أن مقر الاحتفال بالهالوين حالياً الولايات المتحدة الامريكية، إلا أن الاحتفال الأول بهذا العيد بدأ قبل 2000 عام في منطقة تعرف باسم “سامهاين” وهي منطقة تضم أيرلندا وبريطانيا وشمال فرنسا، واقتصر الاحتفال على شعب “السلتيك”، حيث ارتبط الاحتفال بنهاية الحصاد في أواخر فصل الصيف وبداية الشتاء، ولأن الطقس في تلك المنطقة بارد وتزداد حالات الوفيات، فقد اعتقد السكان بأن أرواح الموتى تعود في هذه الليلة للأرض مرة أخرى، واقتصر الاحتفال بإشعال نيران كبيرة في الغابة وتقديم القرابين والتضحيات للآلهة لمنع الأرواح الشريرة، مرتدين ملابس مصنوعة من جلود وفراء الحيوانات بسبب الطقس البارد.
مع دخول المسيحية إلى أراضي السلتيك، ظل الاحتفال بالمهرجان السلتي قائما، لكن طرأت عليه بعض التغييرات بفعل الاختلاط مع الأعياد الرومانية بعد سيطرة الرومان على المنطقة، وفي القرن السابع تم تأسيس عيد جميع القديسيين والشهداء، وكان موعده في 13 أيار/ مايو من كل عام، قبل أن يقوم البابا الكاثوليكي جريجوري الثالث بالتوسع في احتفال جميع القديسيين، ونقل الاحتفال لـ 1تشرين الثاني/ نوفمبر، في محاولة للقضاء على العيد الوثني، إلا أن الاحتفال ظل قائماً، وحدد له الليلة التي تسبق عيد جميع القديسيين.
ومع انتقال المهاجرين من أراضي السلتيك أو ايرلندا إلى الولايات المتحدة، انتشر الاحتفال خاصة مع سيطرة أفكار الماروائيات والسحر لدى السكان الأصليين ولدى المهاجرين الأفارقة، وتطور الاحتفال بتوزيع الحلوى وارتداء الأزياء المخيفة.
المدارس الدولية
مع انتشار المدارس الدولية في مصر، لا سيما الأمريكية منها، عرفت مصر الاحتفال بالهالوين كجزء من الثقافة الأمريكية، وعلى مدار السنوات أصبح الاحتفال جزء من تقاليد المدارس الدولية، وانتقل أيضا للمدارس المصرية الخاصة.
لم تبدي سمر عبد الحي دهشتها حين استلمت من ابنها إعلان حفل ستقيمه المدرسة احتفالاً بالهالوين، وأن المدرسة تطلب منها إحضار زي ملائم للاحتفال.
تقول سمر “أنا احتفل بالكريسماس وغيرها من الاحتفالات ذات المعنى، فالكريسماس لدى المسيحيين هو ميلاد السيد المسيح، والتأويل المصري له بداية العام الجديد، وهي مناسبة تستحق الاحتفال، لكن لماذا يجب أن احتفل بالرعب؟”.
في البداية حاولت سمر أن تمنع ابنها من الاحتفال بالهالوين بتغييبه عن الدراسة في هذا اليوم، ولكن مع الوقت وجدت ابنها نفسه يغضب من ذلك، لأنه يرى أصدقاءه وصورهم في الاحتفال، فاضطرت لمجاراة الاحتفال بإحضار أزياء مخيفة له.
“بيزنس” الهالوين
“الهالوين موسم مهم في صناعة الملابس التنكرية في مصر، بهذا بدأ محمد سامح صاحب مكتب لبيع وتأجير الأزياء التنكرية حديثه لـ هاشتاغ.
يقول محمد “الأزياء التنكرية في مصر تجارة ليست كبيرة، وتعتمد في الأساس على المدارس واحتفالاتها، لأن أكبر مستخدم لهذه الازياء هم التلاميذ، واحتفالات المدارس”.
ويضيف: “هناك عدة مواسم للأزياء التنكرية منها الكريسماس و رمضان والمولد النبوي وعيد الأضحى”.
وحول الرائج في الاحتفال بالهالوين قال محمد إن “هناك أزياء ثابتة مثل عباءة الساحرات المأخوذة من فيلم “هاري بوتر”، وكذلك ازياء قراصنة الكاريبي وأزياء مصاصي الدماء وكذلك زي اليقطينة، إلا أن السينما تساهم كل عام بإضافة أزياء جديدة، ففي سنة إصدار فيلم “coco” انتشرت أزياء مستوحاة من الفيلم، كما انتشر زي حراس لعبة الحبار في نفس عام إصدار المسلسل”.
ضغط على الأسرة
من جانبها، تقول د.هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، إن الهالوين هو تقليعة مرفوضة ودخيلة على المجتمع المصري يغذيها فقط الاستهلاك، والسوشيال ميديا، خاصة مع نشر الفنانين صور احتفالاتهم بهذه التقليعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضافت منصور أن هذا الاحتفال يعطل العام الدراسي، ويمثل عبئا على الأسرة التي تضطر إلى مجاراة الاستهلاك حتى لا يشعر الأطفال بأنهم أقل من غيرهم، مشيرةً إلى أن المراكز التجارية والحفلات والنشاطات المعتمدة على الهالوين هي التي تغذي هذا الاحتفال لجذب الجمهور، خاصة مع الأزمة الاقتصادية الحالية.
وشددت منصور على أن “الحضارة المصرية تضم العديد من الاحتفالات التي يمكنها أن تكون بديلاً لـ الهالوين الغريب عن ثقافتنا المصرية”.