هاشتاغ _ إيفين دوبا
قدرت دراسة جديدة وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية شهريا بأكثر من 3 ملايين ونصف مليون ليرة (700 دولار أمريكي). في وقت لا يتجاوز فيه متوسط الأجور الشهرية 130 ألف ليرة (25 دولار).
وتشهد معظم المناطق السورية أوضاعاً معيشية صعبة، بسبب سنوات الحرب.
وتؤكد تقاريرُ أمميّة أنّ أكثرَ من 85 في المئة من السكان يعيشون تحت خطِّ الفَقْر.
وبينما يعتاش نصف السوريين على الحوالات الخارجية، تزداد ثروات السماسرة وتجار الحرب.
في حين تتحدث آخر إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء عن وصول نسبة البطالة في سوريا إلى 20 في المئة، ويرى باحثون أنها أكثر من ذلك بكثير.
والسؤال الذي يطرح نفسه:” كيف يدبر السوريون مصاريف معيشتهم؟”.
مع قدوم فصل الشتاء تحاول فاطمة ( اسم مستعار) طلب قرض من أحد المصارف الحكومية. لم يكن لديها حل آخر رغم معرفتها بأن المبلغ الذي سيتم اقتطاعه من راتبها الشهري سيؤثر على حجم مصاريفها لخمس سنوات مقبلة.
في هذا الوقت، كانت فاطمة (الموظفة في إحدى المؤسسات الحكومية)، تسعى لشراء ملابس الشتاء لأولادها الثلاثة ولا تملك حلاً سوى الاقتراض من أحد المصارف الحكومية.
تقول فاطمة: “أعلم أنّ حجم الفوائد على القرض كبيرة. وأدرك أنّ القسط الشهري سيكون حملاً زائداً على الراتب الهزيل. لكنه الحل الوحيد أمامي وسط غلاء تكاليف المعيشة”.
ويشير تقريرٌ لصحيفة قاسيون المحلية استند إلى دراسة أجريت مؤخرا، إلى أنّ الحد الأدنى لتكاليف المعيشة لأسرةٍ واحدة مكونةٍ من خمسة أفراد، وصل لنحو 2 مليون و200 ألف ليرة(550دولار).
بينما تجاوز وسطي تلك التكاليف، حاجزَ 3 ملايين ونصف مليون ليرةٍ ( 700 دولار) في الشهر الواحد.
ويقول التقرير، إنّ تكاليف الحد الأدنى للحاجات الضرورية الأخرى كالسكن والمواصلات والتعليم واللباس والصحة وغيرها، ارتفع لنحو 900 ألف ليرةٍ (180 دولار) خلال الأشهر الثلاثة الفائتة.
وتشير الصحيفة إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناءً على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).
أجور تراوح مكانها
لا تزال الأجور التي تدفعها الحكومة السورية على حالها رغم وجود أحاديث متكررة عن قرب منح زيادة على الرواتب، والتي مهما كانت نسبتها لا يمكن أنّ تغطي تكاليف حاجيات الأسرة السورية حسب قول خبراء في الاقتصاد.
ويقول عضو غرفة تجارة دمشق، فايز قسومة، إنّ دخل الموظفين حالياً في سوريا لا يتناسب مع أبسط احتياجاتهم الأساسية، وحتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة ( أقل من 100 دولار) فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من ” خبزة وبصلة”، في حين يبلغ متوسط الرواتب 130 ألف ليرة (25 دولار).
وتقول وزيرة الاقتصاد السابقة، الدكتورة لمياء عاصي ل”هاشتاغ” إنّ الفجوة بين الأجور وتكاليف المعيشة باتت كبيرة جداً، إلى درجة لم يعد السوريون قادرين على التعامل معها. حتى بالاستغناء عن كثير من السلع والخدمات الضرورية.
ويصرّح رئيس مجلس الوزراء السوري حسين عرنوس بأنّ حجم الدعم في الموازنة يبلغ نحو 6 تريليونات ليرة (2.2 مليار دولار) وذلك من دون احتساب دعم الكهرباء.
ويشمل برنامج الدعم الاجتماعي الذي تقدمه الحكومة السورية طيلة سنوات، المحروقات والقمح والسكر والأرز بشكل أساسي.
وتشير الوزيرة السابقة إلى أنّ الدعم المقدم “لا يلبّي سوى هامش بسيط جداً من حياة المواطن المعيشية، في ظل خروج أسر كثيرة من الدعم لسبب أو لآخر, إضافة الى تقليل كميات المواد المدعومة بشكل ملحوظ”.
ورغم المطالبات الكثيرة بزيادة الرواتب كحلّ إسعافي فإن زيادة الرواتب الرقمية أو الحسابية والتي هي حصيلة ” التمويل التضخمي” لها وغير المعتمدة على ارتفاع حقيقي في الإيرادات العامة أو الإنتاج الصناعي والزراعي أو الثروات الباطنية. “لن تكون زيادة فعلية في القدرة الشرائية. ولن تستطيع معالجة الفجوة المالية التي يعاني منها بل ستزيدها اتساعاً. ما يعني مفاقمة حالة البؤس والعوز لعموم المواطنين” حسب قول الوزيرة عاصي.
“الكل يشتكي”..
صعوبة توفير مستلزمات الحياة في سوريا لا تقف عند الموظفين فقط. إذ يعاني أغلب العاملين في القطاع الخاص من تدنّي الأجور رغم ساعات العمل الطويلة.
ويضطر أغلب أصحاب المهن إلى إغلاق ورشاتهم بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج في حال توافرها، حسب قول عضو مكتب تنفيذي في اتحاد الحرفيين بدمشق، إدمون قطيش، مشيراً في تصريحات ل”هاشتاغ” إلى عدول الكثير من أصحاب المهن عن العمل بسبب الازمات المتلاحقة.
ويضيف: “الكل يشتكي، فالدخل قليل وبالتالي الطلب قليل على المنتجات، ويعمد الكثير من السوريين على شراء الحاجيات الضرورية والتي اختصرها أيضاً عدد كبير منهم”.
يضاف إلى ذلك، عدم وجود محفزات للعمل داخل سوريا، حسب قول قطيش، زاد من حدّتها قرارات حكومية جعلت من بقي في البلاد يفكر بالسفر خارجها مثل “قرارات وزارة المالية وفرض الضرائب والرسوم والأجارات المرتفعة وحملات الجمارك”.
تهديد لأصحاب الشهادات
التفكير بالهجرة خارج سوريا نال قسماً كبيراً من أصحاب الشهادات العلمية أيضاً، وتعاني سوريا على سبيل المثال من نقص في عدد الأطباء والممرضين.
كما يواجه المئات من الأطباء المقيمين والمتدربين انخفاضاً في الدخل وحرماناً من العمل في القطاع الخاص.
رئيسة رابطة التخدير وتدبير الألم في نقابة الأطباء زبيدة شموط تؤكد أن عدد الأطباء في سوريا بدأ يقل بشكل واضح، مقدرة أن الكادر الطبي خسر أكثر من 60 في المئة من أطبائه.
ومن أصل 70 ألف طبيب كانوا موجودين في سوريا، هاجر ما يقارب الـ 50 ألفا منهم خلال سنوات الحرب بحسب تصريحات لنقيب الأطباء السابق الدكتور كمال عامر في شباط/ فبراير 2021.
وفي حين يبلغ راتب الطبيب المختص في المشفى الحكومي نحو 300 ألف ليرة ( 60 دولار)، بحسب الطبيب زكريا (اسم مستعار) من مشفى المواساة بدمشق، لا يتجاوز راتب الطبيب المتمرّن ضمن اختصاصه 150 ألف ليرة (30 دولار).
ويبرّر نقيب الأطباء الحالي في سوريا غسان فندي بأنه لا يجب قياس رواتب الأطباء وطلاب الاختصاص على الوقت الحالي لأن البلاد تعاني من أزمة.
ويكشف نقيب المحامين في سوريا الفراس فارس، عن ارتفاع نسبة المحامين العاطلين عن العمل في سوريا، مقارنة مع عددهم البالغ 40 ألف محامٍ.
ويقول: إن الكثير من المحامين لا يملكون أكثر من وكالتين خلال العام، فيما لا يعمل بعضهم نهائياً.
كما أنّ عدداً كبيراً من المحامين في سوريا، باتوا يمارسون مهنة معقب معاملات عقارية، بعد إغلاق مكاتبهم التي يكلفهم افتتاحها ضرائب كبيرة تفوق ما يتحصلون عليه من أجور الدعاوى الصغيرة التي يتوكلون بها.
ويجد خريجو كليات الهندسة أنفسهم في المأزق ذاته، ولا يمكنهم حله إلا بإيجاد عمل إضافي يغطي أجوره نفقات المعيشة.
حوالات “الإنقاذ”
مع الأجور التي لا تسد الحد الأدنى من المتطلبات الأساسية، يعتمد نصف السوريين على الحوالات حسب ما ورد في صحيفة الوطن المحلية.
وبفرض أن متوسط حوالات السوريين بمختلف أنواعها تصل إلى 300 مليون دولار شهرياً، بمتوسط 100 دولار للحوالة الواحدة، فإن نحو 3 ملايين حوالة يتسلمها أرباب الأسر.
وتقارن الصحيفة هذا الرقم مع العدد الكلي للسوريين في الداخل حسب تقديرات المكتب المركزي للإحصاء الأخيرة لعدد السوريين والبالغ 23 مليون نسمة لتكون نسبة المستفيدين من السوريين في معيشتهم من الحوالات هي نحو نصف عدد السكان، وفقا لحساباتها”.
ووفقاً لتقديرات المكتب المركزي للإحصاء، وصلت نسبة البطالة إلى أكثر من 20 في المئة، بينما تشير تقديرات مستقلة مختلفة أن نسبة البطالة تجاوزت الـ 50 في المئة، إلا أن المثير للاهتمام أن الإحصائيات تشير إلى أن نحو 90 في المئة من الذكور العاطلين عن العمل هم من فئة الشباب دون سن الـ 39 عاماً.
ونتيجة لهذه العوامل باتت الهجرة من البلاد المهرب الرئيسي من الأزمات المتلاحقة، ولكن ماذا عن البقية، وكيف يتدبر من لم يهاجر من السوريين أمورهم وما هي المهن التي يعيشون منها؟.
يكشف الباحث الاجتماعي ومدير المرصد العمالي للدراسات جمعة حجازي أن مشكلة البطالة لا تزال تؤرق الاقتصاد السوري. ويرى أخصائيون اجتماعيون أنّ ضعف الأجور وقلة فرص العمل أدت لوجود مشكلات اجتماعية كبيرة مثل زيادة عدد الجرائم ومعدلات الطلاق.
ويكشف القاضي الشرعي الثالث في دمشق خالد جندية ، عن ازدياد معدلات الطلاق المسجّلة في العاصمة السورية خلال الفترة الأخيرة ويقول إنّ “حالة الفقر تؤدي لوقوع الخلافات وبالتالي ينتهي الأمر بالطلاق”.
لا حل سحري
بانتظار “حل سحري” للوضع الاقتصادي المتفاقم، الذي بات يشبه الدوامة، تقول الدكتورة لمياء عاصي: “نشهد ظواهر اقتصادية متشابكة ومترابطة. كل منها يمثّل سبباً ونتيجة في الوقت نفسه”.
وتشير “عاصي” إلى أنّ هذه الحالة تستلزم من الفريق الاقتصادي رسم استراتيجيات شاملة لزيادة إيرادات الدولة بشكل كبير، وليس الاعتماد على إجراءات ترقيعية. ذلك للتمكن من رفع الإنفاق العام الحكومي والقدرة على دعم الصناعة والزراعة كقطاعين رئيسيين للاقتصاد الحقيقي.
وتذكر المسؤولة السابقة أحد الأمثلة للحل وتقول: “لا بد من لجوء الدولة الى استثمار ملكياتها الكثيرة جداً، والتي قدرت بتصريحات رسمية بــ 80 ألف عقار أو منشأة أو مؤسسة أو أراضي، واستغلال الفرص غير المستثمرة سواء بما يخص ثرواتها الباطنية أو موقعها الجغرافي من خلال الموانئ والمطارات والطرق البرية وحركة الترانزيت”.
وتختم عاصي: “كل تلك الثروات هي عبارة عن فرص كامنة يمكن أن تدر دخلا كبيرا للبلاد أذا أحسنت ادارتها واستثمارها، أما طريقة إدارة الشحّ المتبعة حالياً فهي مراوحة في المكان ليس إلا..”