هاشتاغ – مازن بلال
تعيش الأزمة السورية حالة من البرود التي لا يمكن تفسيرها بتداعيات الحرب في أوكرانيا، فالتحركات الدبلوماسية التي تباطأت وتيرتها منذ عامين تقريبا قدمت مؤشرات على أن الحل السياسي ليس مؤجلا فقط، بل خرج عن إطار التوافقات الدولية التي كانت عنوانا لأي خطاب سياسي سوري على مستوى المعارضة، وفي نفس الوقت فإن تحول النظام الدولي لا يسير وفق إيقاع واحد يمكن أن يؤدي لعالم متعدد الأقطاب.
عمليا فإن مراجعة الحرب في سورية وفق الرهانات التي ترافقت مع تصاعد الحدث تضعنا أمام فراغ سياسي حقيقي على مستوى الحلول السياسية، فالمسألة ليست في عدم القدرة على القيام بحوار بناء بين الأطراف السياسية، فهناك عدم قدرة على رسم تصورات جديدة تكسر الإيقاع المتكرر لمراحل الأزمة، ويمكننا هنا النظر إلى أمرين أساسيين:
– الأول أن بداية الأزمة أظهرت سعي كل من روسيا والصين إلى وضع “الحالة السورية” ضمن الصراع الدولي لإنتاج عالم متعدد الأقطاب، فكانت مناقشة العقوبات على دمشق مناسبة للتنسيق بين بكين وموسكو لكسر حلقات ما يسمى “الربيع العربي”.
المفارقة الأساسية في مسألة الأقطاب المتعددة هي في تعقيدات الحل السياسي، ليس في المسألة بل في الكثير من التحديات الدولية، فكسر الاحتكار الأمريكي للقضايا الدولية الذي استمر منذ تسعينيات القرن الماضي خلق جبهات مواجهة في بؤر التوتر، فروسيا والصين استطاعتا حماية الدولة السورية بفعل سعيهما لعالم متعدد الأقطاب، لكنه في نفس الوقت خلق انقساما يصعب معه خلق رؤية دولية لإنهاء الأزمة رغم
أن هناك قرارات دولية بهذا الخصوص.
– الثاني أن عدم ظهور توافقات سورية لا يعود إلى التناقض الدولي فقط، إنما لعدم وجود توازن للقوى السياسية على مستوى الداخل السوري، فالتشكيلات السياسية التي واجهت الحكومة لم يتم طبخها على عجل فقط، إنما تم رسمها بشكل يتوافق والاشتباك الدولي الذي رافق الأزمة السورية.
بالتأكيد كانت البيئة السياسية السورية تعاني من فراغ أتاح للتحركات التي ظهرت عام 2011 أن تطفو على سطح الحدث، وهيأت لحالة خاصة دفعت قوى التطرف كي تصبح جزءا من معادلة الصراع، وبغض النظر عن القوى التي ساهمت في ظهور هذه الحالة لكن الحوارات السياسية اللاحقة كانت تدعي الابتعاد عن هذه القوى وفي نفس الوقت تستخدمها في الضغط على الحكومة في سورية، فعدم القدرة على خلق التوازن في قوى الداخل يعود إلى أن معظم القوى خارج السلطة كانت رهينة شرط الأزمة، وهو شرط يفترض بالدرجة الأولى على رهان دولي بتبدل النظام الدولي، وبإدارة الحوار فيما بينها وفق نوعية الاشتباك الدولي الحاصل.
إن المثال الأكثر وضوحا لطبيعة الاختلال في التوازن هو حركة “قسد” التي تنقلت في تحالفاتها، ثم كونت موقفها وفق طبيعة الاشتباك الدولي لتصبح جبهة صدام ضمن جملة الجبهات التي خلقتها الحرب، وبالتأكيد فإن قسد كنموذج لا تلخص كل التعقيدات إلا أنها تطرح التساؤلات الأساسية التي رافقت الحالة السياسية للأزمة، فالحوار الداخلي وسط البرود الذي تعاني منه الحالة السورية بات يحتاج إلى كسر الشروط الدولية لتحقيق خروج نهائي للأزمة.