هاشتاغ_ إيفين دوبا
تعيش سوريا قلقاً خشية تفشي الكوليرا بعد وصول العدد الإجمالي التراكمي للإصابات المثبتة إلى ١٥٨٧ حالة حسب آخر تحديث عن الوضع الوبائي أمس السبت ٣ كانون الأول/ ديسمبر. وبلغ العدد الإجمالي التراكمي للوفيات 49 منها 40 في حلب (شمالاً).
في ظل هذه الأوضاع، أطلقت وزارة الصحة السورية اليوم حملة لقاح فموي ضد مرض الكوليرا.
وتستهدف الحملة جميع الأعمار فوق السنة في ريف حلب، والحسكة والرقة ودير الزور، وتستمر لغاية 15 الشهر الجاري.
وتسلّمت وزارة الصحة السورية الأربعاء الماضي مليونيّ جرعة لقاح فموي ضد مرض الكوليرا، بدعم من منظمتي الصحة العالمية والأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” والمبادرة العالمية للقاحات “غافي”.
وقال وزير الصحة السوري حسن محمد الغباش إنّ المجموعات المستهدفة في الحملة ستكون من عمر سنة وما فوق. مشيراً إلى استمرار العمل بالخطة التشغيلية الوطنية التي اعتمدتها الوزارة.
تطعيم ووضع وبائي
تقول مديرة الرعاية الصحية في وزارة الصحة السورية الدكتورة رزان طرابيشي لـ”هاشتاغ” إنّه تم الاتفاق على البدء بتنفيذ حملة لقاح الكوليرا في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية تبعاً للوضع الوبائي ليتم التوسع لاحقاً حسب الخطة وتطور الوضع الوبائي.
وأكدت طرابيشي أنّ اللقاحات آمنة وفعالة لمدة 4 أشهر من تناول اللقاح المحدد عالمياً بجرعة واحدة فقط لتشميل أكبر عدد ممكن من المواطنين.
وألزم نقص الإمداد العالمي للقاحات الكوليرا مجموعة التنسيق الدولية، وهي الهيئة التي تدير إمدادات اللقاحات الطارئة، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2022 بالتعليق المؤقت لنظام التلقيح الذي يعتمد على جرعتين في حملات الاستجابة لتفشي الكوليرا، وبدلاً من ذلك، الاعتماد على استراتيجية الجرعة الواحدة.
وأكدت طرابيشي أنّ الوضع الوبائي للكوليرا في سوريا قيد السيطرة، وفي بعض المحافظات لم تسجل إصابات جديدة.
كما تراجعت الإصابات في محافظات أخرى. وهذا الأمر حسب قولها “مطمئن”.
وتُنفذ حملة وزارة الصحة السورية لقاحا ضد الكوليرا عبر 63 مركزاً صحياً و 685 فريقاً جوالاً وبمشاركة 2269 عنصراً صحياً.
ويحمي اللقاح من الإصابة الشديدة بالكوليرا عن طريق تحفيز الاستجابة المناعية المعوية. كما أنه لا يمكن للقاح أن يسبب الكوليرا لأنه يتكون من خلايا بكتيرية معطلة.
وقد تظهر بعض الآثار الجانبية البسيطة خلال الأيام الأولى من تلقي اللقاح وتزول من تلقاء نفسها مثل الصداع، الحمى، اضطرابات هضمية.
لقاح في “الوقت المناسب”..
قالت منظمة الصحة العالمية إنه تم الإبلاغ عن عشرات الآلاف من حالات الإسهال المائي الحاد المشتبه بها في جميع المحافظات السورية.
وأضافت “كل من البالغين والأطفال معرضون لخطر الإصابة بالمرض. لكن الأطفال غالباً لا يتحملون وطأة المرض الشديد”.
وقالت ممثلة اليونيسف بالنيابة، غادة كجهجي إن شراء اللقاحات وإيصالها في الوقت المناسب هو أولوية حيث يستمر الإبلاغ عن الحالات في سوريا.
وفي آخر الإحصائيات التي نشرتها “شبكة الإنذار المبكر والأوبئة” سجّلت مناطق شمال غرب سوريا 8255 إصابة حتى الآن، بينما في الشمال والشمال الشرقي بلغ عدد الإصابات 21305.
وسجّلت سوريا في أيلول/سبتمبر تفشياً للكوليرا في محافظات عدة، للمرة الأولى منذ عام 2009.
وأدى النزاع المستمر منذ العام 2011 إلى تضرر قرابة ثلثي عدد محطات معالجة المياه ونصف محطات الضخ وثلث خزانات المياه، وفق الأمم المتحدة.
وقال مدير الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة السورية، الدكتور زهير السهوي، إن المنحنى الوبائي للكوليرا متسطح، وهذا يدل على عدم انتشار كبير للمرض.
وأضاف السهوي أنه “تم العمل بالخطة الوطنية للسيطرة على وباء الكوليرا بثلاثة محاور: الصحة والمياه و تفعيل فرق الاستجابة السريعة في كل المديريات”.
وأشار مدير الأمراض السارية والمزمنة إلى أنه تم اعتماد وتعميم بروتوكول علاجي موحد وفق توصيات منظمة الصحة العالمية وتزويد المشافي بمخزون إضافي من العلاج والمستلزمات تحسباً لأي زيادة في أعداد الحالات.
لقاح الكوليرا و”مناعة القطيع”..
تم تطوير لقاح الكوليرا منذ أواخر القرن الـ19، وأدرجته منظمة الصحة العالمية ضمن قائمة الأدوية الأساسية المعتمدة لديها في بدايات القرن العشرين. واللقاح عبارة عن لقاح فموي يستخدم للوقاية من مرض الكوليرا.
وبحسب تقرير للمنظمة يكون اللقاح فعالاً بنسبة 85 بالمئة تقريباً خلال الأشهر الستة الأولى من انتشار المرض، وبنسبة نحو 50 إلى 60 بالمئة خلال السنة الأولى.
وتنخفض فعالية اللقاح بنسبة تقل عن 50 بالمئة بعد السنتين الأولى والثانية، وذلك عندما يتم تحصين عدد كبير من السكان ضد المرض، فقد يستفيد أولئك الذين لم يتم تحصينهم من “مناعة القطيع”، بصورة مشابهة تماماً لما يحدث اليوم مع جائحة كورونا.
وظهرت الكوليرا في سوريا بداية الأمر في أرياف محافظات دير الزور والحسكة والرقة، نتيجة تلوث مياه نهري الفرات والخابور، ثم انتقلت إلى حلب التي تعتمد في جزء كبير من مياه شربها على ما يتم استجراره من مياه الفرات عبر مجرى صناعي أقيم لهذه الغاية منذ تسعينيات القرن الماضي، ثم وصلت إلى باقي المحافظات السورية.
وساعد على انتشار المرض أيضاً، موجة الجفاف الشديدة التي ضربت المنطقة منذ 2019، ودفعت الناس إلى الحصول على مياه الشرب من مصادر معرضة للخطر من مياه الأنهار والقنوات المكشوفة في مناطقهم.
هذا الجفاف ترافق أيضاً مع تراجع جريان نهر الفرات بشكل ملحوظ بسبب السياسات المائية المتبّعة من قبل تركيا التي شملها الجفاف أيضاً نتيجة انخفاض شديد في مستوى هطول الأمطار، فانعكست الكارثة على سوريا والعراق لا على تركيا التي خزنت حاجتها من المياه عبر مئات السدود، إذ شيدت تركيا 600 سد، و590 محطة لتوليد الطاقة الكهرمائية، ومن بين هذا السدود 9 على نهر الفرات.
وقال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، الدكتور أحمد المنظري، إنّ انتشار الكوليرا جاء في معظم الدول التي تعاني من ضعف البنية الأساسية من المياه والصرف الصحي.
وأوضح: مع أن اللقاحات أداة بالغة الأهمية، فهي ليست التدخل الأساسي لمكافحة الكوليرا، والسبيل الأساسي للوقاية من الكوليرا هو توفير المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي، وعلاجها سهل بتعويض السوائل عن طريق الفم.
ويعد تلوث مياه الشرب أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى ظهور المرض في سوريا، وهو ما ينسحب أيضاً على جارتها لبنان، والتي تشهد أيضاً تفشياً متسارعاً، حسب الأمم المتحدة ووزارة الصحة اللبنانية.
وسجّلت سوريا عامي 2008 و2009 آخر موجات تفشي المرض في محافظتي دير الزور والرقة.
لقاح و5 تحديات..
في غضون ذلك تقول منظمة الصحة العالمية إنها تتبنى نهجاً متعدد القطاعات للسيطرة على تفشي المرض في سوريا.
ومع ذلك، تحدثت مسؤولة بوحدة الوقاية من مخاطر العدوى والتأهب لها بالمكتب الإقليمي للمنظمة لشرق المتوسط الدكتورة شيرين النصيري، عن خمس تحديات تواجه الكوليرا في سوريا.
وتوضح النصيري أن هذه التحديات تشمل “عدم توفر مختبرات الأحياء الدقيقة في بعض المحافظات، وضعف خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة، والنظام الصحي الهش الذي يؤثر على الخدمات الصحية”.
فضلا عن أخرى تتعلق بـ”محدودية الوصول إلى بعض المناطق بسبب الصراع وانعدام الأمن، بما في ذلك داخل المخيمات”، إلى جانب “التأخير في الإبلاغ عن الحالات اليومية”.