الأحد, ديسمبر 22, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسية"أهل الكهف" يُبعثون من جديد.. السوريون يعيدون اكتشاف أدوات الماضي في القرن...

“أهل الكهف” يُبعثون من جديد.. السوريون يعيدون اكتشاف أدوات الماضي في القرن الحادي والعشرين

هاشتاغ _ نور قاسم

بدلاً من التقدم والسير إلى الأمام كما باقي المجتمعات، وكما يقول منطق الحياة، يجد معظم السوريين أنفسهم وقد عاد بهم الزمن إلى الوراء، إن كان من خلال ترشيد استهلاكهم واختصار احتياجاتهم الأساسية، وتغيير طريقة معيشتهم أو باضطرارهم للاستعانة بأدوات قديمة تعود لعقود أو قرن مضى، وكل ذلك في القرن الحادي والعشرين.

يعود السوريون اليوم إلى استخدام مستلزمات عفا عنها الدهر ومضى، ولكن الوضع الاقتصادي الكارثي وندرة المحروقات والتقنين الكهربائي الجائر اضطرهم للتخلي عن كل ما هو متقدم وهو نصب عينيهم، ومع ذلك تجدهم وقد عادوا إلى استخدام ما كان الأجداد يستخدمونه، والمتهم الأكبر لما وصل إليه الحال على لسان حكومتهم “قانون قيصر”.

ومع بداية كل عام جديد، وبدلا من التفاؤل بتحسن الأوضاع، يخشى السوريون أنهم مضطرون مجددا لتسمية هذا العام إلى “عام العودة إلى الوراء”.. كما يحصل منذ أكثر من عقد.

لم يكن متوقعاً

الأربعينية إلهام المصري (أم صلاح) من ريف دمشق قالت لـ”هاشتاغ” إن ما وصلنا إليه لم يكن متوقعاً، ومع استقبال كل عام جديد نتمنى زوال المصاعب التي نعاني منها ولكن نكتشف فيما بعد مصاعب أخرى تبدأ بالظهور لم تكن بالحسبان.

ولفتت أم صلاح إلى أنها لم تستلم جرة الغاز منذ أكثر من ثلاثة أشهر وسعرها في السوق السوداء أصبح حوالي ٢٥٠ ألف ليرة بعد أن كانت منذ أسابيع قليلة ما بين المئة ألف والمئة وخمسون ألف ليرة، مستغربةً الفارق الكبير في سعرها خلال زمن قياسي، الأمر الذي اضطرها لاستخدام الطباخ الذي يعمل على “السبيرتو”، معتبرةً أنه “يقضي الغرض” في بعض الأحيان لتحضير الطعام أو لإعداد الشاي والقهوة وغيره.

وأما عن التدفئة فتوضح أم صلاح إلى أنهم لا يملكون أي وسيلة للتدفئة، فمنذ أن هُجِّروا من “جوبر” بدمشق لم يعد لديهم مدفأة ولا قدرة لهم على اقتنائها بسبب ارتفاع سعرها ناهيك عن ازدياد سعر المازوت والحطب وغيرهما من وسائل التدفئة.

تقول إن عائلتها تعتمد على التدفئة بتسخين المياه ووضعها في أكياس المياه الصغيرة المطاطية المخصصة لتحمل المياه الساخنة، فيمكن وضعها في الفراش والأغطية فوقها قبل النوم بحوالي ربع ساعة لتدفئة الفراش.

ولكنها تشير إلى أن هذه الأكياس أصبح سعرها مرتفعا، إذ يتراوح سعر الكيس ما بين 25 ألف ليرة إلى 30 الف ليرة، لذلك عند تلف إحداها تستعيض أم صلاح عنه بقارورة زجاجية محكمة الإغلاق لوضعها على فراش الأطفال قبل نومهم .

الرواتب الهزيلة..

أحمد كوسا، موظف في مؤسسة المياه، قال إن راتبه لا يكفي شيئاً، ويضطر للعمل الإضافي في القطاع الخاص بالإضافة إلى الاستعانة براتب زوجته للتمكن من تأمين احتياجات أطفالهم، لافتاً إلى أنه يحمد الله لعيشه في منزله ولم يُهجَّر ويضطر للإيجارات الكاوية .

وعن البدائل التي يستخدمونها في ظل هذه الظروف الصعبة قال إنهم يضطرون لاستخدام الشموع للإضاءة، فمنذ أن ارتفعت بشكل كبير أسعار “البطاريات” المستخدمة لإضاءة اللدات قبل حوالي ثلاثة أعوام لم يعُد بمقدورهم شرائها.

وأما للتدفئة فيستخدمون كما يقول، المدفأة التي تعمل على الحطب، ولكن ليس بالضرورة حرق الحطب فقط، وإنما يمكن أيضاً حرق الأوراق والكرتون والملابس البالية و الأحذية التالفة وكل شيء يمكن حرقه للتدفئة أو للطهي أيضاً .

على ضوء “مصابيح الرأس”

الطالبة الجامعية أسماء اللحام التي تدرس في السنة الثالثة “علم اجتماع” قالت إنها باتت مضطرة لاستخدام وسائل لم تكن بالحسبان، فمثلاً نستخدم السوزوكي كوسيلة نقل إلى جامعاتنا لقلة المواصلات في الأرياف بشكل خاص.

وأردفت بأن غياب الكهرباء واللدات أجبرها لاقتناء المصباح الذي يوضع على الرأس أثناء الدراسة للامتحانات الحالية، لافتةً إلى أن جيل الشباب منذ حوالي عشرة سنوات حُرِم من الكثير من الأمور التي كانت متاحة له سابقاً، وثمة خشية من ازدياد الحرمان أكثر مما هو عليه الآن.

“أيام البركة” ولّت

الخمسينية نهال الأحمد قالت لـ”هاشتاغ” إن “أيام البركة ولَّت”. وتروي “سابقاً لم نكن نشعر بأي ضيق، فشراء كل شيء كان متاحاً بالكيلو والكيلوين وأكثر ، أما الآن فقد أصبحنا نضطر لشراء الخضار والفواكه والأجبان بالحبة، والشاي والقهوة بالغلوة، الزيت بالأوقية والسمنة بالملعقة”. وتأمل أن تتغير الأوضاع السيئة إلى الأفضل وأن “نعود إلى ما كنا عليه” على حد قولها.

“قيصر” الداخل

الخبير الاقتصادي، عابد فضلية، يفسر الحال الذي وصل إليه السوريون بالقول: “من الطبيعي عند غياب أو قلة وندرة والمستلزمات والسلع الاستهلاكية والإنتاجية أن يبحث المستهلك أو المنتِج عن حلول، وعند انتفائها يتم التوجه إلى البدائل.”

ويشير فضلية في حديثه ل”هاشتاغ” إلى أن “قيصر” هو السبب الخارجي الأكبر لمعاناة سوريا حكومةً وشعباً، والذي أدى لاشتداد العواقب _بحسب فضلية_ جملة من الإجراءات والقرارات والتعاميم الحكومية الرسمية وشبه الرسمية التي تشابه “فرمان قيصر ولكن الداخلي “.

وتساءَل الخبير الاقتصادي: كيف يفسَّر الرفع المتواصل لأسعار السلع والخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية مثل حوامل الطاقة والكهرباء و رسوم التسجيل في المعاهد الحكومية و رسوم العضوية لبعض النقابات والرسوم القضائية وأسعار العديد من المواد الغذائية في منافذ السورية للتجارة؟

مضيفا: أيضا كيف يفسَّر التطبيق غير المبرر على حركة وتحويلات و سحوبات العملة الوطنية دون الجدوى لهذا التقييد الذي صعَّب من حياة المواطنين و قلَّص في الجهة الأخرى النشاط الاقتصادي السوري ، مؤدياً إلى ازدياد العاطلين عن العمل .

ولفت فضلية إلى أن الوضع يزداد سوءاً مع وجود المحروقات بكثرة في السوق السوداء، وكذلك الخبز الذي يباع أمام الأفران بالسعر الحر، وأيضاً يلاحَظ أن هذا الأمر يحصل للمواد والسلع الغذائية التي توزّعها السورية للتجارة.

و رجَّح فضلية أن لا تبقى الأمور على ما هي عليه في المستقبل، مع إمكانية الانفراجات بعد الهبوط النسبي في سعر الصرف وظهور البشائر في مجال المشتقات النفطية بتوفر البنزين أوكتان بحسب تعبيره.

المزارعون أيضا

لم يسلَم المزارعون أيضاً من تبعات فقدان المحروقات والكهرباء والأسمدة، وهم أيضا مضطرون للبحث عن بدائل.

يقول الخبير في الاقتصاد الزراعي وائل حبيب، إن الأزمة أثَّرت على المزارعين أيضاً بنقص المعروض وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، ما دفعهم إلى البحث عن وسائل أو أساليب زراعية بديلة، كالابتعاد عن المحاصيل التي تحتاج إلى كمية من السماد مثل القمح بالاستعاضة عنها بالمحاصيل المروية الأقل استهلاكاً للمياه والأسمدة والمبيدات الحشرية.

ولفت حبيب إلى أن المزارعين دائماً ما يبحثون عن أساليب وتقنيات جديدة للزراعة وإن كان ما يزال محدوداً مثل استخدام التسميد العضوي وصناعة السيلاج والكومبوست، ولوحظ مؤخراً انتشار بعض تقنيات التسميد البديله مثل “الفورمونت” أو السماد العضوي الدودي.

وأشار حبيب إلى أن التحول السلبي برز بشكل أساسي بعد إشكالية نقص البذار من خلال لجوء الكثير من المزارعين الى أسلوب الإكثار التقليدي مثل تخزين جزء من المحصول كبذار للموسم القادم، وخاصةً القمح والشعير وبعض انواع الحبوب والبقوليات، رغم أن هذا الإجراء يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية بالنظر الى التدهور الوراثي أثناء الانتقال من سنة إلى أخرى.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة