الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

تموجات سياسية..

هاشتاغ-رأي- مازن بلال

تضع القنوات الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة مساحات ضيقة للحوار بين البلدين، حيث تظهر علاقة مرتبطة بأطراف متشابكة تقع خلافاتها خارج نقطة الالتقاء السوري – التركي.

 

وبالرغم من أن تاريخ الأزمة السورية ارتبط بشكل وثيق بسياسة الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن المأزق الذي وصلت إليها المنطقة وعلى الأخص احتمالات عملية عسكرية تركية في شمال سورية؛ دفعت الكرملين للتعامل مع الأزمة من زاوية تصفية الخلافات، وهذا الأمر بدأ منذ أول لقاء في آستانة، وتطور مع ظهور مناطق خفض التوتر، وهو اليوم يدخل في أحرج مرحلة في مسألة “تصفية التوتر”، وهو ما يحمل “عزل” الخلافات لكسر احتمالات أي مواجهة عسكرية.

 

عمليا ستحمل هذه المرحلة أعقد ترتيبات فيما لو استمرت مسألة “تصفية التوتر”، وستتحول العلاقات الإقليمية بشكل يعيد ترتيب الأولويات، وهو ما يفتح مجالا واسعا لتأثيرات خارج إرادة دمشق وأنقرة، وربما بعيدا عن طموح موسكو في خلق عملية سياسية بين البلدين، وعندما وصف السفير الأمريكي السابق في سورية روبرت فورد ما يحدث بين البلدين بـ”العملية”، وشبهها بعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإنه نقل في الواقع عمق التناقضات بين البلدين إضافة لما خلفته من تبدلات بما فيه مناطق التواجد المسلح للنصر أو غيرها من الفصائل.

 

بالتأكيد فإن ما سيحدث هو عملية تهدف لإزالة الكثير من الخلافات وآثارها على الأرض، على الأخص في منطقة إدلب، والعملية أيضا عليها التعامل مع علاقات دولية يُفترض أن تشق طريقها مع تطور هذه “العملية”، وهذا الأمر يطرح مسألتين:

 

– الأولى أن تطبيق القرار الدولي 2254 هو أيضا “عملية” لأنه سيرسم العلاقات السياسية الداخلية، وتطبيقه على الأرض هو جوهر “العملية الكلية” التي تتحدث عنها التصريحات التركية.

 

القرار 2254 يبدو مثل “إجراء” للأزمة يهدف لإحراج جميع الأطراف؛ دون أن يمتلك مقومات التطبيق وذلك بغض النظر عن المواقف السياسية منه، فهو يشبه بذلك القرار 242 الخاص بحرب الخامس من حزيران، حيث هدف إلى تهدئة الأطراف ولم يجد طريقة لتطبيقه، والمقاربة مع القرار الخاص بسورية يبدو صحيحا من هذه الناحية، لكن المصالح في كل من سورية وتركيا مختلفتين كليا، وحسابات البلدين يمكن أن تدخل في إعادة ترتيب العمليات السياسية بسورية كليا، وهذا التعقيد هو مأزق “تصفية التوتر”، فالبلدان لم يشهدا علاقات مفتوحة حتى بداية الألفية الجديدة، والاتفاقات التي ظهرت منذ عهد الاستقلال في سورية كانت لمنع الاشتباك السياسي، ولكن الأزمة السورية كسرت هذا الموضوع، فالتعامل التركي مع القرار الأممي هو من أجل العودة لمنع هذا الاشتباك.

 

– المسألة الثانية هي محاولة إيجاد ركائز إقليمية لأي اتفاق سوري – تركي، فأنقرة تريد توزيع مسؤولية الاتفاقات على الأطراف العربية التي كانت تنسق معها خلال الأزمة السورية، ورغم أن هذا الأمر لم يظهر بوضوح حتى الآن، لكن بوادره بدأت بإعادة ترتيب العلاقة مع مصر.

 

الطريق الطويل الذي ستسلكه “تصفية التوتر” لن يتوقف عند حدود اللقاءات الرسمية، فهناك واقع على الأرض يتداخل مع سياسات الولايات المتحدة في منطقة الجزيرة السورية، ومع السياسات الدولية التي تقدم المساعدات لمنطقة إدلب، فالأطراف الثلاث الروسية – السورية – التركية تعرف أن القنوات الدبلوماسية ماتزال هشة، وشرعية تصفية التوتر على الأقل عند الجانب الأمريكي مازال بعيدا عن كل التحركات الحالية، و”تصفية التوتر” هي عملية بالتأكيد لكنها تؤكد أن المصالح الإقليمية هي في طور التبدل إلى شكل مختلف.

 

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة