هاشتاغ-نضال الخضري
في يوم المرأة العالمي تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي فيديو عن رائدات لبنانيات ظهرن على امتداد القرن، والفيديو يتناول بضع نساء ابتداء من زولفا تابت شمعون مرورا بفيروز ونضال الأشقر وينتهي مع بولا يعقوبيان.
وبغض النظر عن “الريادة” الذي يقدمها الفيديو وربما تأكيده على صورة المرأة اللبنانية؛ لكن عمق المسألة النسوية سياق اجتماعي، والاحتفاء بسيدات قدمن نماذج هامة لا يعفينا من رؤية الأثر الاجتماعي العام الذي يتكامل فيه البعد النسوي مع باقي مسارات الحياة.
في سوريا نستطيع نبش التاريخ المعاصر ورؤية رائدات مثل نازك العابد التي ارتدت الزي العسكري قبل معركة ميسلون، هذا إضافة لدورها في تعليم النساء والصحافة والسياسة وذلك قبل قرن تقريبا، وهناك أيضا الأديبة ماري العجمي ولوريس ماهر أول طبيبة سورية (1930) والروائية غادة السمان والمغنية أسمهان.. لكن القضية تتجاوز التعداد لأن القضايا الاجتماعية لم تعد مرهونة بالأشخاص إنما بالقدرة على تشكيل ظاهرة نسوية أو غيرها.
كل المجتمعات أنجبت عظيمات ورائدات ظهرن بوضوح في مراحل التحول الاجتماعي، وبدت الحركة النسائية بكسر الحواجز للدخول في الحياة العامة؛ ليس بصفتهن الجنسية كنساء بل مواطنات يمتلكن الحق الذي تضمنه القوانين، والتفاوت في حقوق المرأة لا علاقة له بالرائدات لأن الثقافة الاجتماعية هي التي تفرض ذاتها في النهاية، وتقدم صورة التحول الذي حدث نتيجة عوامل كثيرة منها وجود رائدات في العمل النسائي.
في القرن الواحد والعشرين لا نستطيع الحديث عن المسألة النسوية بنفس الطريقة التي كانت مطلع القرن السابق، وإذا كان من “الوفاء” تذكر الرائدات لكن قضايا المرأة تحولت أدواتها بالدرجة الأولى، ونحن أمام حشد نسائي واسع دخل الحياة العامة، وشكل في سوريا على الأقل ظاهرة عامة أعطت ولو بشكل محدود شخصيات نسائية في مراكز القرار، ورغم ذلك بقيت صورة المرأة بالعموم مقيدة بالشكل التراثي، وصورتها الذهنية مربوطة بسياق من الضوابط الاجتماعية.
دخلت المرأة مع كل الضوابط القديمة، ومارست حقها ضمن إطار تلك الضوابط التي تجعل من الحريات شكلا نمطيا لكل من النساء والرجال أيضا، وإذا كان البعض يتباهى بمناسبة يوم المرأة بعدد من الرائدات فإن المرأة ضمن الصورة الذهنية للمجتمع مازالت رهينة المرجعية التراثية بالدرجة الأولى.. فهل نجحت “الرائدات” في تحقيق التحول؟ هذا السؤال تجاوز للزمن الذي ظهرن فيه، حيث استطعن فرض آلية اجتماعية تطورت بشكل متسارع لتنتج في النهاية دخول المرأة إلى الحياة العامة، لكن مسألة التمييز الجنسي أو الجندرة أمر مختلف، وهي ليست بالضرورة حاجة بالنسبة لمجتمعات مربوطة بالتراث، ففي النهاية تبقى حرية المرأة فكرة سياسية بامتياز متشابكة مع الظواهر السياسية الكبرى، مثل ظهور البورجوازية في أوروبا أو الليبرالية في الولايات المتحدة أو حتى الشيوعية في روسية.
سياق المرأة سياسي ولا ينفصل عن التفكير العام الذي يتشارك فيه الجميع، ويوم المرأة ليس للتذكير بحقوقها بل أيضا للتفكير بأن مراحل “الريادة” لم تعد مفيدة، وأن الثقافة الاجتماعية ستغير رؤيتها للمرأة عندما تتغير طريقة النظر أيضا تجاه الرجل والطفل وحتى النظام الطبيعي عموما، فهي في النهاية علاقة مع كل الأشكال الاجتماعية.