الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

 تجليات مبعثرة

هاشتاغ- نضال الخضري

يقاتل رمضان الذاكرة أو التصورات التي تبنيها سرديات الماضي الذي لم نعشه، فنحن وهذا الشهر نعيش مفارقة لا نستطيع فهمها ولا وضع قواعد تفكير يمكنها تشكيل هدنة بين ما نعيشه وما وصل إلينا من صور مختلفة عبر البيت والمدرسة، فرمضان ليس استثناء، وكل ما وصلنا هو معرفة لم تساعدنا كثيرا في مواجهة التناقضات التي تحاصرنا.

رمضان نموذج فقط، وهو فقط جزء يتكرر كل عام ليس كفريضة فقط إنما كسلسلة من الذاكرة الممتدة، وسياق لثقافة تتشكل عبر الزمن ثم تتركنا أمام نوع من الغرابة التي يحملها الواقع في مواجهة المساحات التي غذت عقولنا من البيت والمدرسة، ومن تقاليد التعليم التي جعلتنا في لحظة ننتقل من الكتاب إلى التعليم الذاتي عبر قنوات تعليمية على الانترنت، فهل شكل هذا التحول أي فارق؟ وهل انتهت رؤيتنا للعلوم من معلومات نحفظها عن ظهر قلب إلى روح تجعل العلم شكلا حيويا؟ وفي كل تلك الأسئلة صورا متلاصقة لمدارس وكتاتيب وجامعات انتهت بعد أن انتهت العلاقة مع العلم كجدلية حياة وارتقاء.

ربما بعكس أي شي فإن رمضان يحرك قلق المعرفة لأنه طقس ثابت عبر الزمن ويترك معه ألوانا من الحياة، ونحن قادرون على اعتباره الثابت الذي يمكن أن نقيس عليه الكثير من المعارف التي نحملها أو تم وضعها في عقولنا كتراث أو صور، وهناك العديد من ثوابت القياس تبدأ وتنتهي من نقاط التعليم التي نستند إليها في البيت والمدرسة.

في الزمن الذي يتداخل معنا تقابلنا معضلة رئيسية تظهر أكثر حدة في المسائل التي تحمل قدسية، أو ترتبط بعبادة لها موسمها كالحج أو الصوم، فهذه المواسم التعبدية توضح المأزق الرئيسي بين تصوراتنا العبادية وما تفرضه الحياة، والأمر ينسحب على العلوم التي ندرسها وعاداتنا اليومية، أو قناعتنا الذاتية ورؤيتنا للحياة وقيمها، فرمضان يذكرنا فقط بأن الزهد الذي يحمله لم يعد يتناسب مع انفجار الرغبة في التسوق، وهذا الموضوع لا يختلف عن أمور أخرى، فنحن في النهاية لا نتسلح بالمعرفة والعلوم وحتى العبادات، بل نرسم لها صورا قادرة على منحنا بريقا في وجه من نصادفه، فالمسألة في النهاية “تجمُلٌ” أمام الآخر لا أكثر.

خيوط المعرفة التي صورت لنا كل شيء بما فيه رمضان تحولت أحيانا إلى دراما تلفزيونية، وأحيانا أخرى لألقاب تسعى لخلق إبهار لا يمكنه أن يمسح احتفاء العلاقة بين الحياة وما نحمله سواء كان علوما أو سرديات مختلفة عن تراث مازلنا نعيشه حتى اللحظة، فنحن لا نعرف رمضان إلا من خلال ما درسناه عن غزوة بدر على سبيل المثال، أما في عالمنا المعاصر فهناك هجوم تاريخي حاصرنا عبر دراما تاريخية عن كل التاريخ الإسلامي.. لكن النهاية تبدو أكثر تعقيدا لأننا أصبحنا نحمل المعرفة من خيالات تنشط في رمضان ولا تقتصر على التاريخ، بل إن التاريخ تم نسخه لصالح ما انتهى إليه التراث من حكايا الحارات والقيم.. ورمضان اليوم هو قلق حقيقي لأن كل ما يحيط بنا يسعى لتقديم معرفة بإطار من المتعة ودون أن يترك لنا فسحة تفكير أو تصور مختلف.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة