هاشتاغ _ زينا صقر
أعلنت وزارة الصحة السورية عن “تعديل” أسعار الأدوية بنسبة 50 بالمائة، في 17 من الشهر الجاري، وذلك بعد مطالبة المعامل برفع سعر الأدوية التي أصبح عدد كبير منها مهدد بالإغلاق في ظل شح الكهرباء و المحروقات.
وقالت “مديرية الشؤون الصيدلانية” في الوزارة عبر صفحتها في فيس بوك الثلاثاء إنها “أصدرت قائمة بتعديل أسعار الأدوية المحلية”.
وبررت القرار بأنه جاء “بناءً على ارتفاع سعر الصرف وفق نشرة المصرف المركزي الصادرة بتاريخ 2 كانون الثاني/يناير الجاري، إضافةً إلى ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة وحرصاً على استمرار توفر الأدوية في السوق”.
في السياق، تروي إحدى المصابات بمرض السكري، معاناتها في الحصول على الدواء اللازم لعلاجها، بعد انقطاع الصنف الموصى به، وعدم توفر البدائل.
وتؤكد المرأة الستينية لـ”هاشتاغ “، أنها على استعداد لدفع أضعاف ثمنه مقابل إيجاده أو بديل له، حيث لم تجدِ نفعاً محاولات بحثها لا هي ولا معارفها في صيدليات اللاذقية.
تقول مريم “هذا الدواء هو لحماية الأعصاب، التي يعمل داء السكري على إتلافها، و الدواء الموصى به لحالتي ليس له بديل أبدا في الأسواق”.
ونشرت وزارة الصحة قائمة الأسعار الجديدة للأدوية، حيث شملت نحو 12 ألفاً و826 زمرة دوائية من مختلف معامل الأدوية المحلية.
بدورها، ترى وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي، في تصريح لـ”هشتاغ” أن سعر الدواء يجب أن يعكس مجموع تكاليف عملية إنتاجه وتوزيعه على المستودعات والصيدليات، وإضافة هامش ربح معقول للمشتغلين بهذا القطاع.
وبهذا المعنى، وفقا لعاصي، لا يمكن أن نقول إن رفع أسعار الأدوية سيحل معضلة توافر الأدوية واستقرار سعرها للأشهر القادمة، إلا إذا رافق ذلك استقرار في سعر الدولار والمشتقات البترولية، وبشرط ألا يحدث أي رفع أسعار لأسباب عالمية أو محلية للمواد الأولية التي تدخل كمستلزمات إنتاج.
وتشير إلى أنه “بغير ذلك، من الممكن إعادة المطالبة برفع الأسعار، والدخول في دوامة جديدة.”
أزمة الصناعة الدوائية
من جانبه، قال عضو مجلس نقابة الصيادلة وممثل المجلس العلمي للصناعات الدوائية في اللجنة الفنية العليا للدواء محمد نبيل القصير، إن الصناعة الدوائية مرت خلال الأشهر الماضية بأزمة حقيقية”، معتبراً أنها حصلت بسبب عدم وجود التوازن والعدالة بين الأسعار التي تتكبدها الدورة التصنيعية وبين عملية التسعير المستحضرات.
وأوضح القصير في تصريح لـ”هاشتاغ” أن المعامل صمدت بوجه موجة الغلاء الحادة كما تكبدت المزيد من التكاليف، في سبيل تأمين الدواء للأسواق.
وأكد على أن الأسعار كانت جدا متدنية في الأشهر الأخيرة نسبة إلى التكاليف، فكان من الضروري إعادة النظر بها.
دور المجلس العلمي
يلفت القصير إلى أن وزارة الصحة قامت بتشكيل لجنة لدراسة مفردات التسعير، “وكنا كمجلس علمي للصناعات الدوائية متواجدين فيها للتعاون مع الوزارة لتقييم الأسعار، وكانت لجنة تسعير الأدوية قد رفعت قبل نهاية العام الماضي دراسة اقترحت من خلالها تسعير كل شكل دوائي بحسب تكاليف إنتاجه”.
وتابع أن “رفع سعر الصرف الرسمي وفق النشرة الرسمية لمصرف سوريا المركزي شكل عبئاً إضافياً جديداً على تكاليف الصناعة الدوائية وخصوصاً أن الدراسة التي تم رفعها على سعر الصرف الرسمي القديم”..
وأشار إلى أن آخر تسعيرة فرضتها وزارة الصحة كان سعر صرف الدولار وفق نشرة مصرف سورية المركزي محدد ب 2525 ليرة سورية، بينما وصل سعر الصرف الرسمي حالياً لـ 4522 ليرة سورية.
وأكد على أن التسعيرة التي اعتُمدت من قبل وزارة الصحة، هي تسعيرة العام الماضي، والتي لم تواكب ارتفاع سعر الصرف، وإنما بقيت على حالها عند اقتراح التعديل.
المواطن خط أحمر
ويشير القصير إلى أن المجلس طالب بـ 152 بالمائة، بينما تمت الموافقة على التعديل بنسبة 50 إلى 90 بالمائة، مضيفاً أن هذا التعديل ليس كافياً ولكننا نحترم رؤية الوزارة، والأخوة المواطنين بالنسبة لنا خط أحمر فيما للدواء.
ويأتي رأي د. لمياء عاصي مطابقاً لما قاله ممثل المجلس العلمي للصناعات الدوائية، حيث اعتبرت أن خطوة رفع أسعار الأدوية جاءت تلبية لمطالب معامل الأدوية المتكررة، والتي تقول إنها ضرورية لتغطية ارتفاع تكاليف الكثير من مستلزمات الإنتاج من مواد أولية وغيرها، وفي هذا التوقيت بالذات، لأنه ومنذ أيام رفع البنك المركزي السعر الرسمي للدولار، وهذا يعني تخفيض رسمي لقيمة الليرة السورية أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، ويالمقابل ارتفع سعر الدولار الجمركي، كما تم رفع أسعار المشتقات النفطية، الأمر الذي أثر بشكل سلبي ارتفاعا على تكاليف صناعة الأدوية وتوزيعها.
وكان رئيس فرع نقابة الصيادلة في دمشق، حسن ديروان، كشف عن أنه سيتم حل موضوع تعديل تسعير الأدوية.
كما أشار إلى أنه “تتم دراسة تكاليف مستلزمات إنتاج كل صنف من الأدوية بشكل دقيق حتى يتم إصدار تسعيرة عادلة لا يوجد فيها غبن للمعامل وكذلك المواطن وبالتالي سوف يتم تسعير كل صنف دوائي بحسب تكلفة إنتاجه”..
توقف معامل الأدوية
وعن توقف معامل الأدوية عن الإنتاج، أكد القصير أن بعض المعامل خفضت أيام عملها إلى ثلاثة فقط في الأسبوع، بسبب ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، وتكبدها عناء حوامل الطاقة في ظل شح الكهرباء، إضافة إلى تكاليف الشحن و التمويل.
لافتاً إلى أنه ليس كل معامل الدواء لديها الخط الذهبي، و التي تعمل بموجبه أسعارها مرتفعة عن باقي المعامل.
مستودعات الأدوية في قلب الأزمة
يقول القصير إن عقبة المعامل خلّفت مشكلة توزيع المنتج الدوائي على المستودعات، و بالتالي نشأت أزمة انقطاع بعض أنواع الأدوية من الصيدليات، حتى أن هناك بعض الصيادلة أغلقوا صيدلياتهم أو عرضوها للبيع عبر النقابة بسبب نقص الأدوية وبالتالي فإنها من الناحية التجارية أصبحت خاسرة.
وشدّد القصير على أنهم أخبروا لجنة دراسة مفردات التسعير، بأن أي انحراف بسعر القطع الأجنبي مستقبلاً، ستأخذ الصناعة الدوائية جزءا من هذا الانحراف بغية تلافي حصول أزمة انقطاع دواء جديدة، مما يضطر المواطن للحصول عليها مهربة و هي أدوية غير مراقبة، أو سوف تضطر وزارة الصحة لاستيرادها بأسعار مضاعفة و هذا ما يحمل المواطن عبئا إضافيا.
بها الصدد تشرح الصيدلانية رشا معاناتها مع مستودعات الأدوية، حيث أصبحت ملزمة للحصول على أنواع دواء معينة، بشراء أصناف غير مطلوبة كشرط لتزويدهم بالأصناف الأكثر طلباً وضرورةً، ما سبب كساد بعض الأدوية على رفوف الصيدليات، والتسبب في خسائر مادية لها.
الصيدلانية أشارت في حديثها لـ “هاشتاغ” إلى توقف بيع العديد من الأصناف وعدم وجود بدائل لها.
وقسمت رشا سوق الدواء إلى قسمين: السوق النظامية والتي تعاني من فقدان كميات الدواء اللازمة لتغطية الطلب، والسوق السوداء التي يتوفر فيها جميع الأصناف ولكن بأسعار مضاعفة، ما يضع الصيدلاني في مواجهة مع المريض الذي يتهمهم بالجشع والاحتكار.
دخل الفرد.. أساس المشكلة
الباحثة والوزيرة السابقة لمياء عاصي قالت إن الدخل الشهري للفرد وقدرته الشرائية على تلبية متطلباته واحتياجاته الأساسية هو الأساس في توازن الاقتصاد الوطني بشكل عام في سوريا.
وتضيف “لأنه من المعروف أن هناك فجوة كبيرة جدا بين أسعار المتطلبات واحتياجات المواطن من السلع والخدمات والدخل، فبينما ترتفع أسعار السلع لتلائم سعر الصرف، سواء في السوق السوداء أو السعرالرسمي، تبقى الرواتب ثابتة، وبالتالي المزيد من الأسر تقع تحت خط الفقر المدقع، حيث بلغت نسبة الفقراء ما يفوق الـ 80% من السكان. “
واقترحت عاصي لحصول التوازن بين الدخل والانفاق، أن يتم تشجيع الإنتاج بكل أنواعه الصناعي والزراعي والخدمي، واعتماد سياسة استثنائية للإنتاج بحيث يتم إلغاء كل المتطلبات والمعوقات الإدارية إلا ما يخص المواصفات والمقاييس و السلامة العامة.
وأوضحت أن هذه السياسات الاستثنائية يجب أن تتبع حتى ولو لفترة مؤقتة، لتتمكن من إعادة الحركة للعجلة الاقتصادية.
زيادة الرواتب ليست الحل
ووفقاً لوزيرة الإقتصاد السابقة، فإن الاقتراحات بزيادة الرواتب لن تحل مشكلة، وهناك فرق كبير بين رفع القدرة الشرائية وزيادة الرواتب، وزيادتها سابقاً لم تحل المشكلة.
بالنسبة للناس الأقل دخلا والذين لا يشملهم التأمين الحكومي لأنهم غير موظفين، فإن الاقتراح الأساسي، هو وضع نظام، يكون بمثابة مظلة لتفادي غلاء الأدوية، يتم من خلاله حصول الأسر والأفراد الأقل دخلا على أدوية مدعومة أو مجانية، حيث يتم تشميل أكبر عدد ممكن من الأسر الفقيرة، في تأمين صحي حكومي خاص، يقوم بتنفيذ هذا التأمين المستوصفات ومراكز الرعاية الصحية.
وعن تمويل هذا التأمين – تقترح عاصي – أن يكون من وزارة الصحة وصندوق المعونة الاجتماعية، ويستخدم هذا البرنامج التأميني آلية تضمن وصول الأدوية للمستحقين لتعينهم على الحصول على العلاج، وخصوصا من يحتاجون الدواء بشكل دائم.