بعد تطبيق آلية توزيع مادة البنزين في سورية على تطبيق Way-in، تحولت أنظار أصحاب السيارات من إحصاء أعداد السيارات في طوابير البنزين وترقب موظف الكازية، إلى ترقب الهواتف الخلوية بانتظار وصول رسالة نصية “يرجى استلام بنزين من محطة …. حتى تاريخ …..”.
وكما جرت العادة، عند كل أزمة مشتقات نفطية ينسب مسؤول حكومي السبب إلى عوامل خارجية، سابقاً كان قانون قيصر، ثم لاحقاً عمرة مصفاة بانياس، وآخرها إغلاق قناة السويس بأنها السبب وراء تأخر وصول ناقلة إيرانية كانت في طريقها إلى سورية.
وكما جرت العادة أيضاً-مؤخراً- بعد كل أزمة بنزين يظهر مسؤول حكومي ليصرّح بتكلفة اللتر مقارنة بالسعر المدعوم، حيث صرح “حسين عرنوس” رئيس الحكومة السوري بأن تكلفة لتر البنزين المستورد 2100 ل. س وسعر البيع فقط 750 ل. س.
وهنا نود شكر السيد المسؤول الحكومي وكل مسؤول حكومي على شفافيته في احتساب تكاليف السلع المدعومة والإعلان عنها، لكن هذه المعلومة ناقصة إذا لم تقارن مع أسعار البنزين بدول الجوار، ومع نوعية البنزين في دول الجوار، ومع دخل المواطن في دول الجوار.
أين تسرّب الفرق؟
سنبدأ من دولة إيران ليس بصفتها من دول الجوار، بل باعتبار أن الوقود والمشتقات النفطية يتم تأمينه منها. وفقاً لموقع “أسعار النفط العالمية” يبلغ سعر ليتر البنزين (أوكتان 95) في إيران 0.06$ وهي ثاني أرخص سعر بنزين على المستوى العالمي بعد فنزويلا التي يبلغ عندها سعر لتر البنزين 0.02$.
فإذا حسبنا سعر لتر البنزين المستورد من إيران عن جميع أسعار الصرف المختلفة (الصرف الرسمي، سعر الصرف في الموازنة، وسعر الصرف التفضيلي). سنجد أن تكلفة سعر لتر البنزين (أوكتان 95) المستورد يبلغ (75 ل. س، 114 ل. س، 152 ليرة). ومهما أضفنا تكاليف شحن ومخاطر وتأمين ستبقى التكلفة أقل من 2100 ليرة سورية التي تحدث عنها رئيس الحكومة السوري.
أين ذهب هذا الفرق؟؟ أم الغاية من التصريح التمهيد لرفع سعر البنزين لاحقاً -كما جرت العادة- أيضاً.
مهما بلغت تكاليف الشحن ومخاطر النقل والتأمين ستبقى تكلفة لتر البنزين أقل من 2100 ل. س
أسعار البنزين في سورية مقارنة بدول الجوار
أما إذا عدنا إلى دول الجوار (العراق، تركيا، لبنان، الأردن) ووسطي سعر البنزين عالمياً، سنجد أن الأسعار في سورية هي الأعلى، حيث بلغ سعر لتر البنزين (أوكتان 95) في سورية 1.456$ مقارنة بالوسطي العالمي 1.12$، في حين بلغ سعر لتر البنزين (أوكتان 95) 0.518$ في العراق، 0.879$ في تركيا، و1.322$ في لبنان، و1.382$ في الأردن. وهذه الأسعار هي أسعار التجزئة في كل دولة، وليست أسعار التكلفة.
تساؤلات مشروعة
قبل الحديث عن تكلفة مادة “يصرّح بأنها مدعومة”. هل تساءل المسؤول الحكومي، كم تكلف فعلياً هذه المادة كي تصل إلى المواطن؟
هل يستطيع المسؤول الحكومي أن يخبر المواطن كم تبلغ تكلفة انتظار طابور البنزين 20 ساعة وأكثر. ليس فقط مادياً بل وإنسانياً؟
هل حسب المسؤول الحكومي تكلفة الأضرار وإصلاح السيارات الناتجة عن رداءة نوعية البنزين؟
وباعتبار أن ما يؤرق الحكومة دائماً هو الفرق بين سعر البيع والتكلفة. لذا يجب التنويه أن 750 ل. س ليست سعر البيع الحقيقي “بالنسبة للمواطن”. فهو يتكبد إضافة إلى 750 ل. س البقشيش والمعلوم لتجاوز الدور وللحصول على مادة البنزين بأقصر فترة زمنية. ويخسر فائض البنزين الذي تحصل عليه الكازيات من حصة المواطن لتبيعه نفسه إلى غير مواطن بالسعر الحر “خارج حسابات الحكومة”.
ما يجب أن يؤرق الحكومة هو البقشيش وفائض البنزين الذي تسرب خارج الخزانة العامة للدولة والذي ما كان يمكن ان يحدث لولا الفشل في قرار تحديد السعر وأدوات تطبيق القرار.