الثلاثاء, نوفمبر 5, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرالحرب الأوكرانية تنكأ الجرح المفتوح

الحرب الأوكرانية تنكأ الجرح المفتوح

هاشتاغ_رأي لجين سليمان

لا أعرف السبب المباشر الذي جعل عدداً لا بأس به من محيطي الصيني يربط الحرب الأوكرانية بتلك السورية، ولكن مجرّد رؤيتيهم لي أنا الصديقة الأجنبية القادمة من بلد عانت الأمرّين من الحروب تجعلهم يستحضرون فوراً الحرب الأوكرانية .

منذ بدء هذه الحرب وحتى اللحظة يرسلون إليّ وبشكل يومي ما يعبّر عن مشاعرهم ومواقفهم تجاه كل من روسيا وأوكرانيا، لا بل إن أحدهم قد عاد بذاكرته إلى أيام الحرب (الصينية-اليابانية) عندما توفي جدّه، مستذكراً ألم الفقدان متأسفاً لوفاة الكثير من السوريين في هذه الحرب، لم يسمح لي كبريائي أن أذهب معهم بعيداً في هذا التعاطف إذ أجبت “سورية ليست مجرّد حرب، فلدينا أشياء كثيرة، لكنكم أنتم لا تذكرون من التاريخ سوى ما عاصرته أعماركم” ثم أعود وأنتقد ذاكرتهم القصيرة وأؤكد “سورية ليست الحرب”.

دفعتهم الحرب الأوكرانية إلى الاعتقاد بأن هذا سيعيدني بالذاكرة إلى سورية تلقائيا أو بشكل خارج عن إرادتي، ولذلك باتوا يحاولون تسليتي بشتّى الوسائل، فعلى سبيل المثال تصلني يوميا في الفترة المسائية رسائل متعدة : كصور لعروض مسرحية ترفيهية في مدن واقعة في شمال الصين، وفي محاولة منّي لإبعادهم عن الحرب والتظاهر بأنني معنيّة بالثقافة الصينية، سألتهم عن غياب هذا النوع من العروض في المدينة التي أقيم فيها “تشونشينغ” قالوا إنّ “مدينتي لم تكن عاصمة الصين في التاريخ القديم” ..فأجبتهم بحزم وكأنّي أعرف بتاريخهم أكثر منهم “تشونشينغ كانت عاصمة خلال الحرب الصينية اليابانية، رجاء لا تقللوا من شأن مدينتي الصينية” .. تفاجأوا كما كل مرة عندما يشعرون فيها بانتمائي إلى مدينة غريبة عني بكل تفاصيلها، ولذلك كنت أوضح “بأننا السوريين ننشر المحبة حيثما نحلّ، وننتمي لكلّ مكان نعيش فيه ولو لفترة قصيرة”.

أكثر ما كان يثير إعجابهم أني بدأت أحب الطعام “الحارّ” تيمّنا بأهل المدينة، وأحبّ دراسة اللغة الصينية التي تعج بالكاركتيرات الصعبة على الصينيين أنفسهم. كانوا سعيدين من حجم التأقلم والاعتياد الذي وصلت إليه بعد سنتين ونصف فقط من الإقامة في الصين، وهذا على الرّغم من صعوبة العيش إلى حد ما بالنسبة لطالب أجنبي، إلا أنّي قد اعتدت وتجاوزت هذه المصاعب.

أخبرتهم أننا في سوريا ننظر إلى النصف الملآن من الكأس كي نكمل حيانتا بشكل أفضل، بحيث ندوس على وجعنا فنعلو عليه ونتجاوزه بالأمل ونأمل أن يملك “الأوكرانيون” أرواحا “مطاطة” مثلنا.

وبينما هم يواصلون النقاش حول الحرب الأوكرانية،كنت أستذكر عبارة “حجم ما مات فينا حتى تعودنا” فلن نعتاد شيئا حتى يموت فينا شيئ آخر، نعم تلك هي الحرب، تميتنا وتميت فينا أشياء فنعتاد الحر والطعام والطقس ونحاول إيهام أنفسنا بالاستمتاع في محاولة منا للهرب فنوحي للآخر بأننا اندمجنا. لكن هي الحرب أيضا التي تصرخ في داخلنا “ليس اندماجكم محبة في حضارة الآخر، فأنا من أجبركم على الاندماج”.

نعم قد لا يكون اندماجاً إنما اعتياد على بلاد حتى ربيعها مختلف إذ تصفّر أوراق الشجر وتتساقط.. لكنه في الوقت ذاته تأقلم ضروري ينشأ خوفا من الرحيل مرة أخرى إلى بلاد أخرى فأُقتلع ثانية وتتألم جذوري مجددا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة