هاشتاغ-مازن بلال
يحمل الإعلام صورة قديمة لمسألة التوجه شرقا، فمنذ بداية الأزمة السورية بدأ الحديث عن “الشرق” بعد أن دخلت دمشق في صراع قاس مع الغرب، ورغم سنوات الحرب لكن مؤشرات التعامل مع “الشرق” بقيت مقيدة وربما خاضعة لـ”الخوف” من ساحة العقوبات الأمريكية التي تستخدم السوق العالمية في معاركها السياسية، فحقيقة التوجه شرقا كانت تحتاج أيضا لنظام عالمي يكسر سطوة الولايات المتحدة على “الأسواق” ويتيح مرونة في الخيارات السياسية لا تترافق مع خطر العقوبات، ورغم كافة الأحداث الدولية الحادة فإن هذا الأمر مازال مثار جدل ومخاوف في مساحة الشرق الممتد من الصين إلى سواحل المتوسط.
عمليا فإن زيارة الرئيس السوري إلى الصين لها موقعها في سلسلة الأحداث السورية منذ عام 2011، والاتفاقيات الاستراتيجية الثلاث الموقعة مؤخرا بين البلدين تحتاج لقراءة طبيعة العمل الصيني، خصوصا أن الاتفاقيات بذاتها هي سياق للتعاون أكثر من كونها سياسة تحول في العلاقات بين البلدين، فهي تؤكد أن المصاعب السياسية التي عانت منها سورية لم تؤثر على أشكال التعاون بين البلدين، بينما يبقى مستقبل التطور في هذا الأمر مرهون بما يمكن أن نسميه “العتبة” الصينية التي تُعتبر حالة معقدة لموقع الصين الدولي.
أقرأ المزيد: تصورات رفع الحصار
التصور الأولي لما يمكن أن تقدمه الاتفاقيات الثلاث هو الدخول في رحلة اختبار على المستوى الدولي، فالحذر الصيني من الدخول في اشتباك دولي داخل الأسواق الدولية أساسي في أي تحرك تقوم به بكين، والملاحظ هنا وجود “عتبة” لهذا الاشتباك تحاول بكين عدم تجاوزها نظرا لطبيعة المخاطر التي يمكن أن تؤثر على التنافس الاقتصادي الصيني على الساحة الدولية، وفي الشان السوري هناك أمرين:
الأول أن الدعم السياسي الصيني سيبقى مفتوحا ولن يتأثر في ظل انقسامات دولية حادة، وهذا الموضوع كان ملحوظا منذ بداية الأزمة، لكنه في نفس الوقت بقي ضمن حدود الساحة الدولية، وبعكس حليفها الروسي بقيت بكين خارج الجغرافية السورية وتعقيداتها.
هناك تفكير صيني إقليمي يشكل جزءا من مشاريع الانتشار الاقتصادي لبكين، وهذا الموضوع يتطلب توازنا حساسا يبعد بكين بشكل تلقائي عن تنافس النفوذ الذي تشهده سورية، فالمسألة ليست حالة “حياد” إنما عدم التدخل في التوازنات القائمة نتيجة الحرب لأن الصين لديها سلسلة مصالح مترابطة مع الجميع، وهي في صراع اقتصادي أكبر مع الولايات المتحدة على “البوابات” البرية التي تربط بكين بأورويا وحتى أفريقيا.
أقرأ المزيد: ما لا يمكن تفسيره
الأمر الثاني هو نوعية التماس بين الصين والشرق الأوسط عموما، وهذا الأمر نراه في سعي الصين للمساعدة في عودة العلاقات الإيرانية – السعودية على سبيل المثال، فالوصول إلى سورية بالنسبة لها هو شكل من أشكال “النفاذ” إلى المنطقة أكثر من كونه تأثير على التوازنات الداخلية أو الإقليمية السورية.
أهمية الاتفاقيات الموقعة بين دمشق وبكين مرتبطة إلى حد كبير بفهم طبيعة التفكير الصيني للمنطقة وليس للأزمة السورية بذاتها، والرهان على دور صيني قوي يتطلب بالدرجة الأولى تحديد مسار سوري لا يرتبط فقط بالاحتياجات السورية بل أيضا باحتياجات التوازن الإقليمي الذي يشكل وفق المؤشرات عصب تحرك بكين باتجاه شواطئ المتوسط.